جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

كوريا الشمالية: نسخة مخففة من نزع التسليح النووي

على امتداد الأسبوعين الماضيين، ظهرت مؤشرات متزايدة على أن إدارة ترمب تتحرك باتجاه إضفاء قدر من الاعتدال على موقفها تجاه مخزونات الأسلحة النووية لدى كوريا الشمالية. واختفت التصريحات الصارمة حول أن الولايات المتحدة ستقبل فقط بنزع تسليح كامل وفوري وغير قابل للتراجع عنه. بدلاً من ذلك، رأينا اجتماعاً رمزياً تاريخياً بين ترمب وكيم جونغ أون داخل المنطقة المنزوعة السلاح، بجانب خطاب أكثر إيجابية تجاه الزعيم الكوري الشمالي - مثلاً، وصف الرئيس الاجتماع بأنه «شرف له» - ولمح إلى أن الولايات المتحدة من الممكن أن تقبل بجدول زمني أطول تجاه الخطوات على صعيد نزع التسليح النووي. والآن، ما الذي سبب هذا التحول؟ وهل سيفلح من الناحية العسكرية؟
الإجابة المختصرة عن التساؤل الأول بسيطة: الواقع. لا يراهن أي مراقب جاد للوضع في كوريا الشمالية بوجه عام وكيم بوجه خاص، على أن الزعيم الشاب سيتنازل طواعية عن أسلحته النووية. والواضح أن هذه الأسلحة الرهان الأفضل أمام كيم في مواجهة محاولات تغيير النظام من جانب الولايات المتحدة. ومع إدراك الفريق المعاون لترمب هذه الحقيقة، بدأوا يسعون في مسار آخر نحو تحقيق «فوز» واضح على صعيد السياسة الخارجية يمكن التشدق به خلال الفترة السابقة لانتخابات عام 2020.
وبينما لا تزال الصورة النهائية مما يمكن وصفه بـ«النسخة المخففة من نزع التسليح» غير واضحة، يمكن للمرء توقع الملامح العامة لها. في البداية، من المحتمل أن تطلب الولايات المتحدة محاسبة كاملة ويمكن التحقق منها للبرامج النووية والصاروخية الفاعلة لكوريا الشمالية، مع تحديد مواقع جغرافية بعينها. ويمكن للولايات المتحدة أن تدفع نحو تقليص إجمالي المخزونات إلى عدد يكون باستطاعة مفتشين دوليين إبقاءه قيد مراقبة مستمرة، مثل 50 رأساً حربية تضم كل منها مستوى محدداً من الكيلو طن. وسيجري الاحتفاظ بالرؤوس الحربية في عدد قليل من المواقع، ثلاثة أو أكثر قليلاً، يخضع كل منها لنظام مراقبة إلكتروني (كاميرات وأجهزة مراقبة إلكترونية) لتنبيه المفتشين حال اختراق المنشآت. ومن الممكن إقرار خطة مشابهة لأنظمة الإطلاق، لكن سيجري وضعها في أجزاء من البلاد مختلفة عن تلك التي توجد بها الرؤوس الحربية. وسيجري التحقق من كل ذلك من خلال فرق دولية تتمتع بسلطة تفتيش المنشآت في أي وقت.
في المقابل، سيجري تخفيف العقوبات عن كوريا الشمالية، مع حصولها على مساعدات إنسانية ضخمة، وإن كان ليس بالصورة التي اقترحها ترمب بالنسبة لشواطئ كوريا الشمالية خلال اجتماعه الأول مع كيم، عندما قال عبارته الشهيرة: «انظروا إلى هذا المشهد. أليس هذا موقعاً مثالياً لمجمع سكني رائع؟».
بالتأكيد، ثمة اعتراضات مشروعة على كل من المقترحات السالفة الذكر؛ منها أن ترمب لن يلتزم بصورة كاملة بالتعامل مع المشكلة التي حددها بشكل صائب باعتبارها: التأكد من أن كيم ليس بإمكانه شن هجوم نووي ضد الولايات المتحدة. على الجانب الآخر، تعيش أميركا وحلفاؤها قيد هذا التهديد من جانب روسيا والصين، ويبدو أنهم لا يجدون غضاضة في وجود دول أخرى مسلحة نووياً مثل الهند وإسرائيل وباكستان.
إذن، فإن التساؤل الحقيقي هنا: كيف ستتمكن الولايات المتحدة من تخفيف المخاطرة بوجود كوريا شمالية نووية من الناحية العسكرية بعد إقرار مثل هذه النسخة المخففة من اتفاق نزع التسليح النووي معها عبر مفاوضات دبلوماسية؟ ورغم أن المرء لا يملك سوى الشعور بالقلق إزاء امتلاك كيم جميع العناصر اللازمة لبناء أسلحة نووية يمكن استخدامها - بموافقة أميركية - تظل الحقيقة أن هذه الظروف يمكن إدارتها عسكرياً، عبر ثلاث خطوات جوهرية.
تتمثل الأولى في الاستخبارات. في الوقت الحالي، تفتقر الولايات المتحدة إلى قدرة مناسبة على الاطلاع على البرنامج النووي لكوريا الشمالية. وسيشكل وضع الرؤوس الحربية والصواريخ داخل عدد قليل من المنشآت تحت مظلة تفتيش دولي تحسناً كبيراً عن الوضع الراهن، لكنه غير كافٍ في حد ذاته. أيضاً، يحتاج «البنتاغون» والاستخبارات الأميركية إلى اختراق الأنظمة السيبرية الكورية الشمالية، خصوصاً أنه رغم الجهود الحثيثة من قبل نظام كوريا الشمالية للبقاء معزولاً عن العالم، فإنه سيتحتم عليه الاعتماد على شبكة الإنترنت.
ويتمثل عنصر محوري آخر في الإجراءات المضادة، مثلاً من شأن تعزيز قدرة واشنطن على التصدي لتهديد الصواريخ الباليستية الحد من نفوذ كيم بدرجة كبيرة. ويعني ذلك تطوير دفاعات صاروخية برية على نحو أفضل، على شبه الجزيرة الكورية وفوق الأراضي الأميركية والمناطق التابعة لها، بجانب اتخاذ إجراءات إلكترونية مضادة للتشويش على أنظمة كوريا الشمالية وشن عمليات سيبرية هجومية.
وأخيراً، هناك أساليب الردع القديمة الجيدة التي أبقت على التهديد السوفياتي بعيداً عن واشنطن طيلة عقود. ويتألف الردع من القدرة بجانب المصداقية، بمعنى أن يدرك الخصم ما أنت قادر على فعله ويعي استعدادك لفعله. في هذه الحالة، فإنه بمقدور الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية ليس فقط هزيمة قوات كوريا الشمالية، وإنما كذلك إسقاط النظام الكوري الشمالي.
في الواقع، كان توجه ترمب تجاه كوريا الشمالية بمثابة مشكلة حقيقية، لكن التحول الذي طرأ على موقف أميركا التفاوضي يعكس إدراكاً لواقع ما يمكن تحقيقه فعلياً بالاعتماد على الدبلوماسية، ما يعتبر تطوراً إيجابياً. ومن شأن تعزيز القدرات الاستخباراتية الأميركية وإجراءاتها المضادة وقدرتها على الردع، التخفيف من خطورة التهديد الكوري الشمالي الطويل الأمد، ما يعتبر خطوة إضافية أفضل.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»