د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

ماذا تريد تركيا من تدخلاتها في أزمات الدول العربية؟

تدخلات تركيا في شؤون بعض الدول العربية، خصوصاً في ليبيا وسوريا والأزمة في دول الخليج مع النظام القطري ووقوفها مع هذا النظام الإرهابي، تثير التساؤلات، صحيح أن النظام التركي يقف وراء حركة الإخوان المسلمين والجماعات المسلحة، لدوافع تبدو آيديولوجية وأحلام باسترداد ماض بغيض؛ ليس في هذه الدول فحسب، إنما في كثير من الدول العربية، ما انعكس سلباً على النظام التركي، حيث أوجد حالة من الاحتقان السياسي في تركيا، خصوصاً في إسطنبول وأنقرة، وما فوز المعارضة في الانتخابات البلدية إلا دليل على ذلك، فقد أصبح واضحاً أن «الإردوغانية» بدأت تفقد بريقها في الداخل.
من ناحية أخرى يسعى إردوغان إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية أيضاً في الدول التي يتدخل في شؤونها، والدليل على ذلك هذا الإصرار من قبله على التدخل في ليبيا، وحتى سوريا أيضاً.
في الفترة الأخيرة، ركز إردوغان على تدخله في الأزمة الليبية الذي تمثل في دعم الميليشيات الإخوانية التي تقف وراء حكومة فايز السراج، بينما في الواقع أن حكومة السراج لم يمنحها البرلمان الليبي الشرعية حتى الآن، لأنه يرى فيها أنها لا تمثل الشعب الليبي، وهذا ما يؤكده موقف الشعب الليبي الذي يقف بكل فئاته سواء في بنغازي أو طرابلس وغيرهما من المحافظات الليبية مع الجيش الوطني الذي يقوده خليفة بلقاسم حفتر، وذلك بسبب أن هذا الجيش هو الذي قضى على الإرهاب في مدن رئيسية بليبيا وطرد منها المجرمين وهو الآن يريد أن يعيد للشعب عاصمته التي خطفها الإرهابيون والمرتزقة.
تدخل تركيا في الأزمة الليبية بالأخص هو الذي يثير التساؤل الأكثر غرابة، فقد نتفهم تدخلها في سوريا بحكم عامل الجوار، وفي قطر بحكم أن الإخوان مسيطرون على مفاصل مفاصل الدولة فيها، ولكن في الشأن الليبي هو يبدو الأمر أكثر حماقة، فمنذ اندلاع الأزمة الليبية تحاول تركيا إطالة أمد الحرب، وتكريس حالة الفوضى في طرابلس، وإنتاج مزيد من عدم الاستقرار في المشهد الليبي، وأعلن الجيش الليبي أكثر من مرة عن شحنات أسلحة آتية من تركيا بما فيها من سيارات هجومية ومدرعات عسكرية والمسدسات الكاتمة للصوت والرصاص، وأثارت هذه الشحنات ضجة في ليبيا، حيث أصرت الأوساط الليبية على رفع القضية إلى مجلس الأمن.
التدخل التركي في ليبيا والدول العربية الأخرى قد يكون له هدف آخر؛ وهو لعب الدور الذي تلعبه إيران في المنطقة العربية، وهو دور الحرب بالوكالة ليثبت إردوغان للعالم أن تركيا دولة عظمى لها وزنها في الصراعات العالمية، لكن تدخل تركيا في ليبيا هو الذي سوف يكشف نوايا تركيا الحقيقية، وبالضرورة سينعكس ذلك على أهدافها الحقيقية من التدخل في شؤون الدول العربية، ولسوف يثبت للعالم أن تركيا لها أطماع كبيرة في ليبيا، وبالتالي سوف يضعها في موقف كالذي تمر به إيران الآن، ويمكن أن نقول إن سياسة النظام التركي لربما تضعها على حافة الهاوية وتقودها إلى حدوث احتمالين؛ إما أن تحدث اضطرابات داخلية تطيح نظام إردوغان، وهو ما تظهر علاماته الآن بالفعل في الشارع التركي، أو ينكمش دورها الإقليمي.
وإذا استمرت تركيا في مواقفها هذه فسوف يطول حل الأزمات في هذه الدول العربية، وهذا ما تريده تركيا، حيث إن ذلك يحقق لها مكاسب اقتصادية وسياسية ولوجيستية، ولكن يدخلها في الوقت نفسه في صراعات خصوصاً مع أميركا، وهذا ما سوف تكشفه الأيام المقبلة.