د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

لعبة الكراسي وصراعاتنا

في المشهد الأخير من مسرحيته يجسد لنا الفنان الكويتي حسن البلام مشهداً في غاية الروعة عن خطورة «لعبة الكراسي» التي يمارسها الأطفال منذ عقود، حيث انتقدها بشدة. فهو يرى فيها سبباً لتعزيز مفهوم الأنانية في أجيالنا. فأنت على استعداد لأن «تدفع بأمك أو أخيك أو عمك» بعيداً لتظفر بالجلوس على هذا الكرسي.
شخصياً شارك أحد أبنائي في هذه اللعبة ولما لم يحالفه الحظ نزل من المسرح مقهوراً. ولا ألومه لأن لعبة الكراسي تعلمنا أن الفرص تسع شخصاً واحداً، وهو أمر لا يمت للواقع بصلة. فقد تفتتح بقالة أنت وجارك في الحي نفسه مصادفة ويربح كلاكما إن أحسنتما إدارة «البزنس».
ويمكن أن يبزغ نجم دولة ناجحة ومتألقة ولا ينتقص ذلك بالضرورة من وهج جارتها المجتهدة. ويمكن لأحدنا أن يكون مديراً ناجحاً من دون أن يشكل أي ضرر على نظيره في الإدارة المجاورة. غير أن سوء الحظ قد يحول بيننا وبين الحصول على الترقية المرتقبة ليس لسبب سوى أن النظام لا يمنح سوى خمسة أشخاص تقدير امتياز حداً أقصى في إدارة تضم ضعف هذا العدد من الموظفين! وهذا إمعان في ترسيخ روح الأنانية بين الموظفين، وهي صورة من صور لعبة الكراسي. فما ذنب إدارة أبلى جميع من فيها بلاءً حسناً استحقوا عليه بجدارة تقدير الامتياز في تقويم الأداء؟!
حتى في عالم البزنس تتنافس الشركات للتربع على قمة كرسي المنافسة، وهي أن تستحوذ الشركة على أكبر حصة سوقية ممكنة. غير أن الكرسي في الواقع يسع أكثر من شركة، فالأكبر حصة لا يعني أن الثاني قد فشل. فلربما تحقق الشركة الثانية من حيث الحصة السوقية هامش ربح مضاعفاً عن الأولى لاعتبارات كثيرة؛ منها طبيعة تنوع البزنس أو استراتيجيته الذكية أو كفاءة تقليص المصاريف.
وهذه المواجهات قد تزداد حدتها إذا ما استمررنا في الترويج للعبة الكرسي الغربية. لماذا لا نطبق النسخة اليابانية في رياض الأطفال التي تخبرهم بأن عددهم (عشرة) أكثر من الكراسي (تسعة) فإذا انتهت اللعبة ولم يجد شخص واحد كرسياً يجلس عليه فسيخسر الجميع، لأن الكراسي سيتم تقليلها تباعاً، وعليه ينبغي أن يحتضن بعضهم بعضاً في كراسي مشتركة. وهم بذلك يغرسون فيهم روح التعاون والتآزر، وأن فوزك لا يكون على حساب تدمير نفسية خصمك.
مشكلة الكرسي أنها تذكي روح الصراع غير الشريف بين الناس. فهناك من ينسى أو يتناسى أن الكرسي يجب ألا يدفعه نحو التنازل عن قيمه النبيلة فيتجرأ على ظلم الناس، أو قهرهم، أو قذفهم، أو التعريض بهم من أجل كرسي زائل.
ما زلت أذكر الكاريكاتير الجميل للفنان السعودي المبدع الوهيبي، عندما نشر بصحيفة «الرياض» عام 1991، رسماً لكرسي دوار في مكتب، يرتفع كلما أدرته، على غرار المقاعد القديمة، فقال ما معناه، إن بعض الناس كلما لف ودار ارتفع، مثلما يرتفع هذا الكرسي!