حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الهدية الإيرانية!

عندما أتابع تداعيات الوضع الملتهب في منطقة الشرق الأوسط عموماً، وتحديداً فيما يتعلق بالمواجهة مع نظام ولاية الفقيه الإيراني، أعود بالذاكرة إلى لقاء جمعني بالرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر منذ سنوات طويلة على مائدة الإفطار الصباحي وحدنا في أحد الفنادق العامة، بعد أن كنا نشارك في مناسبة مساء الليلة التي قبلها. تبادلنا أطراف الحديث، وقلت له: عندي سؤالان لك، الأول عن اتفاقية كامب ديفيد، والثاني عن الخميني وثورة إيران. جوابه عن السؤال الأول كان أن بيغن كان مناوراً ومراوغاً، وأن الفلسطينيين ظلموا على أيدي إسرائيل. أما السؤال الثاني فقال لي مبتسما: إنه كانت نتيجة مشورة سيئة.
بعد هذا اللقاء ظللت أبحث عما يعنيه الرجل، وتوصلت للآتي: بينما يحظى وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر بسمعة استثنائية بأنه الأذكى والأدهى والأخطر، إلا أن العالمين ببواطن الأمور يدركون أن هذا الوصف يجب أن يكون من نصيب مستشار مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر زبيغنيو بريجنسكي. الرجلان، كيسنجر وبريجنسكي، مهاجران يهوديان من أوروبا، الأول من ألمانيا والثاني من بولندا، ولكن بريجنسكي كان دوماً الأخطر في الرؤى البعيدة المدى والتفكير الاستراتيجي. بريجنسكي البولندي الأصل، الذي تقع بلاده وقتها تحت حكم المعسكر السوفياتي كان يخشى التمدد السوفياتي في مناطق أخرى، وكان يعتبر أن إيران منطقة رخوة وهي قريبة من الحدود السوفياتية ومنابع البترول الخليجية، وبدا الرجل مقتنعاً بأن حكماً أصولياً طائفياً متشدداً بقيادة الخميني سيضع حداً لخطورة الامتداد السوفياتي الممكنة هناك. وهذا ما حصل.
أصر الرجل على ترويج فكرته، وقضى على حكم الشاه بالعون مع سفير الولايات المتحدة في طهران الذي تمكن من اختراق مؤسسة الجيش الإيراني عن طريق «خونة» تم تحويل ولائهم لصالح الخميني. واستمرت «العلاقات» مع إيران، ففي حقبة رونالد ريغان عرفت صفقة «إيران كونترا غيت»، التي أظهرت «تعاوناً» من نوع ما مع أميركا، وطبعاً غزو العراق ما كان ليتم في حقبة الرئيس جورج بوش الابن إلا بالتنسيق مع إيران وعدم اعتراضها على ما سيحصل في العراق، وهو تماماً ما حصل، وطبعاً هناك التوافق الذي بات معروفاً مع إيران خلال حقبة الرئيس السابق باراك أوباما.
قوة إسرائيل الحالية وحالة السلام، والانتعاش الاقتصادي الذي تتمتع به، هو نتاج طبيعي للتوسع الجغرافي واحتلال إيران لأربع عواصم عربية، وإطلاق مجاميع من الميليشيات الإرهابية التكفيرية مثل «حزب الله» والحوثي وغيرهما. إيران هي أجمل هدية لإسرائيل في المنطقة. ويبقى السؤال كيف من الممكن الاستغناء عن أجمل هدية؟ كل هدية لها تاريخ انتهاء وقد يكون الجواب عما يحدث لإيران مستقبلاً آتياً من الحراك في سوريا إذا ما نجح الاتفاق الروسي الأميركي هناك للقضاء على النفوذ الإيراني فيها. بناء على هذه النتيجة سيكون بالإمكان الحكم على مجريات الأمور وفي المنطقة ككل.
وجود إيران كان مصلحة لإسرائيل وحقق المطلوب. هذه حقيقة لا يمكن إغفالها ولا علاقة لها أبداً بنظرية المؤامرة، لأنها لم تعد نظرية بل أصبحت واقعاً.