جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

ترمب وحلفاء واشنطن ما زالوا قادرين على إيلام إيران

كان قرار إدارة الرئيس ترمب المبدئي بضرب إيران انتقاماً من تدميرها طائرة درون أميركية قيمتها 130 مليون دولار نابعاً من دوافع مفهومة، لكنه خطير، إلا أن قرار إجهاض المهمة، بعد أن علم بأمرها العالم، خلق مشكلة كبرى. فقبل أي شيء، وشى القرار بوجود حالة من التردد والانقسام في الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس. وهو آخر ما يرغب فيه المرء في خضم وجود تصعيد بطيء مع عدو أقل حجماً، لكنه صلف وصعب التكهن بخطواته.
ليس هناك أدنى شك في مشروعية توجيه ضربة عسكرية لبطارية الصواريخ التي أسقطت طائرة الاستطلاع «غلوبال هوك»، الخميس الماضي، فمن الواضح أن إسقاط الطائرة كان خطوة متعمدة من جانب النظام الإيراني، وتساورني شكوك بالغة في زعم طهران أن الطائرة اخترقت المجال الجوي الإيراني. لقد سبق لي تولي منصب القائد الأعلى لحلف الناتو، الذي يعتمد على مجموعة متنوعة من طائرات «غلوبال هوك»، علاوة على عملي مستشاراً للشركة المصنعة لهذه الطائرات «نورثروب غرومان». ومن واقع خبرتي يمكنني التأكيد على أن الدقة الملاحية لهذه الطائرة فائقة المستوى، أفضل كثيراً من الطائرات التي يقودها طيار بشري. ولم أسمع قط من قبل عن دخول مثل هذه الطائرات عمداً أو عن طريق الخطأ داخل فضاء دولة معادية.
ويقودنا ذلك إلى التساؤل الكبير؛ ما الذي كان يسعى خلفه الإيرانيون من وراء ذلك؟ وكيف يمكن للولايات المتحدة استغلال الموقف لصالحها؟
من الواضح أن الإيرانيين يسيرون على خطى زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي أقدم على تجاوزات كثيرة، منها إطلاق صواريخ تجاه اليابان، وسعى باستمرار لأن يظهر للولايات المتحدة والمجتمع العالمي أنه قادر على إثارة كثير من المشكلات. اليوم، يحاول الإيرانيون إظهار أن بمقدورهم إغلاق مضيق هرمز، والتسبب بتعطيل خطير لتدفق النفط عبر العالم، وبالتالي الإضرار بالاقتصاد العالمي. ومن الواضح أن نظريتهم تدور حول فكرة أنهم سيستمرون في التصعيد حتى تقرر الولايات المتحدة أنها لا ترغب في حرب ثالثة في الشرق الأوسط، وأنها تفضل بدلاً عن ذلك تخفيف حدة العقوبات الاقتصادية ضد طهران. من الواضح أن هذه حسابات معيبة، بالنظر إلى التأثير القاسي للعقوبات الأميركية وعدم استعداد الأوروبيين لمساندة إيران. ومع هذا، فإنها تنطوي على منطق.
بالتأكيد يتمنى ترمب تجنب الحرب على مدار الـ18 شهراً المتبقية قبل انتخابات عام 2020. ويبدو أنه كان يأمل بادئ الأمر في أن يعلن الإيرانيون أن إسقاط الطائرة كان خطأ ويتراجعوا، لكن لم تكن هناك أدنى احتمالية لحدوث ذلك، فلو كان لدى الإيرانيين أدنى نية للتفاوض، كانوا سيكشفون ذلك عبر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الذي قدّم خلال زيارة قريبة له إلى طهران خطاباً للقيادة الإيرانية يدعوهم للدخول في محادثات. وقوبل الطلب برفض حاد وفوري.
وتتمثل الخطوة المنطقية التالية فيما يخص إيران، في محاولة التحرش على نحو خطير ببارجة أميركية، ربما عبر مجموعة كبيرة من القوارب الصغيرة. تكتيك يمارسه «الحرس الثوري» الإسلامي بصورة منتظمة. ومن الممكن كذلك أن يلجأ الإيرانيون إلى توسيع نطاق تكتيكاتهم، من خلال الاعتماد على جماعة تعمل بالوكالة، مثل جماعة «حزب الله» اللبنانية الإرهابية ودفعها لمهاجمة إسرائيل أو إحدى دول الاتحاد الأوروبي. ومن الممكن أن تتمثل خطوة أخرى في إغراق ناقلة نفط بالقرب من مضيق هرمز باستخدام توربيدو منطلق من غواصة إيرانية تعمل بالديزل.
في الوقت الحالي، تعكف الولايات المتحدة على دراسة خياراتها العسكرية، بخلاف توجيه ضربة عسكرية، تبعاً لما ذكرته قيادة «البنتاغون». ومن المحتمل أن تتضمن الخيارات المطروحة على الرئيس ترمب تحركات منخفضة المستوى نسبياً، مثل شنّ هجمات سيبرية ضد أجزاء من شبكة الكهرباء الإيرانية، أو ربما تعزيز نشاطات المراقبة، من خلال طلعات جوية باستخدام طائرات مقاتلة من على متن حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» المرابطة في الخليج.
أما الخيارات المتوسطة المستوى فتتضمن المضي قدماً في توجيه ضربة باستخدام صواريخ «توما هوك» ضد موقع صواريخ سطح - جو، الذي دمر الطائرة الدرون. أما إذا اختار ترمب الاعتماد على خيارات ثقيلة المستوى (أمر غير محتمل)، فمن الممكن أن تتضمن الخيارات تدمير سفن تابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني، أو ثكنات له في موانئ تطل على مضيق هرمز أو قريبة منه. ومن الممكن أن تكون القوة المعنية بزراعة الألغام على وجه التحديد هدفاً يحمل دلالة رمزية مهمة.
ومن شأن أي من هذه التحركات استثارة تحركات مضادة عنيفة من جانب إيران وحدوث حالة تصعيد مستمر. وعليه، فإن التوجه الأمثل أمام البيت الأبيض الآن إعلان أن قرار عدم توجيه ضربة عسكرية يشكل استعراضاً لإمكانات العسكرية الأميركية، ثم التريث قليلاً وتقييم ما إذا كان الإيرانيون يرغبون بالفعل في مزيد من الأعمال العدائية.
أما المشكلة فتكمن في أنه من الصعب تخيل سبيل للعودة إلى الخلف والتحرك بعيداً عن التصعيد أمام الإيرانيين اليوم. أما فيما يخص الولايات المتحدة، فإن الهدف الاستراتيجي المحوري ينبغي أن يدور حول دفع الحلفاء الأوروبيين والآسيويين للتنديد بالسلوك الإيراني، بما في ذلك الهجمات ضد ناقلات في الخليج على مدار الشهر الماضي، وهجمات إيران باستخدام طائرات درون ضد المملكة العربية السعودية. ومن الممكن أن يؤلم ذلك الإيرانيين، إلا أنه ينبغي الانتباه إلى أن الفرصة المتاحة لتحقيق ذلك، وتجنب اشتعال حرب حقيقية بين الولايات المتحدة وإيران، تتضاءل، وبسرعة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»