تشارلز بلو
كاتب أميركي
TT

دعاة الحرب ـ سياسات تهديد «داعش»

يبدو أننا ننجرف في طريق لا رجعة فيه تجاه التصعيد مع تنظيم داعش، حيث تبحث إدارة الرئيس أوباما ما إذا كانت سوف تستمر في حملة القصف الجوي المحدودة في سوريا من عدمه.
إن جانبا من المنطق يدعونا للانتباه إلى السرعة والكفاءة التي من خلالها حقق تنظيم داعش – وهي الجماعة المتطرفة التي وصفها الرئيس باراك أوباما بالهمجية – مكاسب على الأرض في شمال العراق وصارت لديه حرية التحرك من وإلى الحدود السورية. وهناك جانب يدعونا لاعتبار حادثة قطع الرأس المروعة للصحافي الأميركي جيمس فولي – حسب ما وصفها مايكل موريل، نائب المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية – بأولى هجمات تنظيم داعش الإرهابية ضد الولايات المتحدة ويهدد التنظيم بقطع المزيد من الرؤوس.
ولكن جانبا آخر من المعادلة يعبر عن الضغط السياسي الهائل الذي يمارسه صقور الحرب وحالة الخوف والقلق المستمرة لدى الرأي العام، وهو ما لاقى ترجيحا كبيرا بين الجمهوريين وتعمل الآلة الإعلامية اليمينية على تفاقمه.
وفي الواقع، عندما حاول الرئيس إخماد بعض الزخم المثار حول القيام بعمل عسكري سريع وأوسع نطاقا عن طريق الإشارة إلى أنه لم يقرر بعد أفضل السبل للمضي قدما بصورة عسكرية في سوريا، إذا كان هناك عمل عسكري في الأساس، فإن ما نشرته مجلة «بوليتيكو» في وصف لكلام أوباما بأنه «عبارة رديئة» أشعل النار في الدوائر المحافظة. وعند الإجابة عن الأسئلة، قال الرئيس: «ليس لدينا استراتيجية حتى الآن».
وأصر مساعدو الرئيس أوباما على أن العبارة كانت تدور فقط حول كيفية المضي قدما في سوريا، وليس ضد تنظيم داعش ككل، غير أن التنظيم هو ما أعطى الانطباع الذي سرعان ما اندفع المحافظون لتصويره.
إنها كانت وسيلة من وسائل مواصلة الضغط على الرئيس أوباما مع الآثار السيئة للحرب التي بدأها سلفه والفوضى التي نشرتها في تلك المنطقة من العالم.
في واقع الأمر، إذا استمعت لأخبار شبكة «فوكس نيوز» فقد تعتقد أن أوباما يتحمل المسؤولية عن تكوين تنظيم داعش.
وقبل بضعة شهور، قالت مضيفة شبكة «فوكس نيوز»، القاضية جانين بيرو، لمشاهديها إنهم «يجب عليهم الخوف» نظرا لعجز أوباما في التعامل مع تنظيم داعش، وأضافت هذه العبارة: «وقائد تلك المجموعة من السفاحين هو رجل يدعى البغدادي – وهو أسامة بن لادن الجديد – كان أوباما قد أفرج عنه من السجن في عام 2009. فقام بتأسيس تنظيم داعش بعد ذلك بعام واحد».
قد يوحي ذلك بالمزيد من القلق، إذا كانت القصة صحيحة. غير أن موقع تقصي الحقائق السياسية المعروف باسم (PolitiFact) قد صنف الرواية المذكورة بأنها «كاذبة»، مصرحا بالقول: «ذكرت وزارة الدفاع أن الرجل المعروف باسم البغدادي كان قد أطلق سراحه في عام 2004. والدليل على بقاء البغدادي قيد الاحتجاز حتى عام 2009 يبدو أنه مجرد استحضار لمذكرات عقيد من الجيش صرح ذات مرة قائلا: إن وجه البغدادي من الوجوه المألوفة لديه».
وحتى مع افتراض صحة ادعاء العقيد سالف الذكر، إلا أن البغدادي لم يطلق سراحه، بل جرى تسليمه إلى العراقيين الذين قاموا بإطلاق سراحه في وقت لاحق. ولكن الأمر الأكثر أهمية هو العقد القانوني المبرم بين الولايات المتحدة والعراق والذي يضمن تخلي الولايات المتحدة عن احتجاز كل المعتقلين لديها، والذي جرى التوقيع عليه في عهد إدارة الرئيس بوش.
لكن الحقيقة المقلقة تكمن في أن تكتيكات الترهيب لها أثرها الفعلي. وفي يوليو (تموز)، خلص تقرير مركز بيو للأبحاث أن معظم الأميركيين يعتقدون أن الولايات المتحدة غير مسؤولة عن الرد على العنف الدائر في العراق.
بيد أن تقرير مركز بيو للأبحاث الذي صدر الأسبوع الماضي ذكر أنه «عقب قطع رأس الصحافي الأميركي جيمس فولي، اعتبر ثلثا الجمهور الأميركي (بنسبة 67 في المائة) أن تنظيم داعش يشكل تهديدا مباشرا على الولايات المتحدة».
وأفاد التقرير بأن 91 في المائة من الأعضاء الجمهوريين في حزب الشاي وصفوا تنظيم داعش بأنه «تهديد كبير» في مقابل معارضة 65 في المائة من الديمقراطيين و63 في المائة من المستقلين.
وأفاد التقرير أيضا: «وجهت أسئلة حول تنظيم داعش إلى نصف عينة البحث، ووجهت أسئلة حول التهديد الأوسع لجماعات الإسلام المتطرفة الأخرى مثل تنظيم القاعدة، والتي سجلت قلقا مماثلا (71 في المائة مالت ناحية التهديد الكبير، و19 في المائة مالت ناحية التهديد الطفيف، و6 في المائة اعتبرتها لا تشكل تهديدا بالمرة)». ويميل الديمقراطيون إلى اعتبار التغير المناخي العالمي أكثر تهديدا من تنظيم داعش.
كان الأميركيون مبتهجين بقرار الانسحاب من العراق، غير أن الدعم الذي تلقاه ذلك القرار في هبوط مستمر، ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2011 سألت مؤسسة غالوب شريحة ممن شملهم الاستطلاع ما إذا كانوا يوافقون أو يعترضون على قرار الرئيس أوباما في ذلك العام «بانسحاب معظم القوات العسكرية الأميركية من العراق»، وأفادت نسبة 75 في المائة بالموافقة. وفي شهر يونيو (حزيران) من العام الحالي، هبط معدل الموافقة إلى 61 في المائة.
ومع ذلك، لا تزال نسبة 57 في المائة تعتقد أنه كان من الخطأ إرسال القوات في أول الأمر للقتال في العراق.
والآن، يشرع الجمهوريون في استعمال السلاح الكبير (11 - 9) لبث المزيد من الرعب بين الجماهير حتى يدفعوهم إلى دعم المزيد من الإجراءات؛ إذ صرح السيناتور ليندسي غراهام على شبكة «فوكس» الإخبارية أنه يتحتم علينا التصرف للحيلولة دون وقوع حادثة (11 - 9) جديدة، ومن المرجح أن تكون أكبر من سابقتها، وحذرت النائبة إيلينا روس - ليتينين قائلة: «للأسف، إننا نعود إلى فترة ما قبل الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وهو أمر جد خطير».
الخوف في كل مكان. يحاول الرئيس اتخاذ مسار متأن، ولكنه قد يغرق في خضم طبول الحرب وهتافات الدم من حوله.
* خدمة «نيويورك تايمز»