عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

إيران وتصعيد الصراع

الخبرة نتيجة التجارب، وإيران لديها خبرة كبيرة في زعزعة أمن الخليج العربي، منذ الثمانينات والألغام البحرية التي كانت تطلقها لتعطيل أو التأثير على تصدير النفط وإمدادات الطاقة العالمية وإلى اليوم، لا توجد دولة في المنطقة والعالم لديها هذه الخبرة أكثر من إيران، وحتى أتباع إيران وميليشياتها ليست لديها هذه الخبرة ولا تمتلك تلك القدرات.
النظام الإيراني اختار بوضوح أنه لن ينتظر حتى تؤتي العقوبات الدولية الخانقة عليه أكلها فيسقط كورقة مهترئة بالية، بل سيستخدم قوته منذ البداية في المواجهة، وبالتالي فهو يستهدف الخليج العربي والسفن المصدرة للنفط وغيرها ليؤكد ما صرح به مسؤولوه من قبل، وذلك استغلالاً للوقت قبل أن يصل النظام لمرحلة الضعف الكاملة، وبالتالي يمكن مراجعة تصريحات وزير الخارجية الأميركية بومبيو بعد الحادث الأخير لربط العمليات ببعضها ومسؤولية إيران عنها.
النظام الإيراني ليس غبياً بدرجة كافية ليستدعي الحرب المباشرة، ولكنه بين خيارين أحلاهما مر، فإما إظهار الممانعة اليوم وإما الخضوع والاستسلام، ويبدو أنه اختار الممانعة لتحسين شروط التفاوض، ومن ذلك رفض الوساطة اليابانية ومن ذلك استهداف في خليج عمان، واستهداف مطار أبها الدولي، ومن قبل استهداف خط النفط السعودي من الشرق إلى الغرب واستهداف السفن في الفجيرة، وهو يبدو مصراً على الاستمرار في طريق الإرهاب.
الإدارة الأميركية تبدو جادة في مواجهة إيران بالعقوبات الاقتصادية والمقاطعة السياسية وإظهار كل الحقائق تجاه رعاية إيران للإرهاب، ونشر الميليشيات وبث الدمار والتدخل في شؤون الدول الأخرى، ولكن السؤال الكبير اليوم هو هل ستتجه أميركا للرد العسكري بعد التحدي الإيراني، أم أنها تفضل عدم الدخول في حرب مباشرة مع النظام الإيراني؟
مع عدم الجزم إلا أن الغالب هو أن أحداً لا يريد الحرب المباشرة لا دول المنطقة ولا أميركا ولا غالب دول العالم، ومن هنا فإن النظام الإيراني يلعب بالنار، وكان موقف إدارة ترمب حاسماً في فضح العمليات الإرهابية الإيرانية في خليج عمان الأسبوع الماضي، وذلك بنشر الجيش الأميركي لتصوير واضح لقارب إيراني تابع للحرس الثوري وهو ينزع لغماً لم ينفجر من سفينة استهدفها في سلسلة عملياته الإرهابية في الخليج.
يجب ردع النظام الإيراني عن هذا العبث وهذا الإصرار على نشر الإرهاب وتهديد طرق تصدير الطاقة والتأثير السلبي على خطوط التجارة الدولية، وإن بعمليات عسكرية محدودة تثبت له بأن لكل فعلٍ ردة فعلٍ، ومن الذكاء إظهار التحمّل والصبر لبعض الوقت، حتى تأخذ العقوبات تأثيرها الأقصى، ويصبح بالياً سهلاً، ومخنوقاً مريضاً، وهدفاً ضعيفاً، فتصبح تكلفة إخضاعه أقل، وأي حربٍ ضده مضمونة النتائج، وبالذات مع التصاعد الكبير لاقتصاديات دول المنطقة وبالذات دول الخليج والشراكات العالمية التي تتوسع فيها مع دول العالم الكبرى بحيث يستطيع الشعب الإيراني أن يقارن حاله ومعاناته وفقره والاستبداد الذي يمارس ضده بحال شعوب المنطقة التي تزدهر وتسجل أرقاماً مذهلة في التوجه للمستقبل.
التصعيد الإيراني هو تصعيد إرهابي صريحٌ، في اليمن والسعودية وأفغانستان والعراق وغيرها، فهي لجأت في وقت الأزمة لما تحسنه، وما تحسنه هو الإرهاب ولا شيء غير الإرهاب، وإن كان موقف إدارة أوباما يتسق تماماً من استراتيجيتها المعلنة لمواجهة إيران، فإن بريطانيا أيضاً اتخذت موقفاً متقدماً من إدانة استهداف إيران للسفن النفطية ومهاجمة خطوط التجارة الدولية.
من عجرفة النظام الإيراني أنه أثناء استقبال مرشده خامنئي رئيس الوزراء الياباني في مسعى للوساطة نراه يأمر في الوقت نفسه بمهاجمة ناقلة نفط يابانية في خليج عمان، وهي رسالة لكافة دول العالم بأن النظام الإيراني يرفض الحوار ويرفض التفاوض ويرفض التخلي عن الإرهاب، وأنه مصرٌ على ممارسته باستمرارٍ وبتصعيد أكبر، وهي الرسالة التي التقطها الرئيس ترمب وقال إنه بدوره غير مستعجلٍ على هذا التفاوض.
يخطئ النظام الإيراني حين يعتقد أن الرد العسكري الأميركي مستبعدٌ تماماً، وبخاصة أن الرئيس ترمب مقبل على انتخاباتٍ بعد بضعة أشهرٍ، فقرارات الحرب حين تكون فيها مصلحة كبرى، وتكون في مواجهة تهديدٍ خطيرٍ على مصالح أميركا وحلفائها ولدول العالم أجمع، فإن تلك القرارات تتخذ في الغرف المغلقة وليس على شاشات الإعلام، وتحييد القوات البحرينية الإيرانية وإعاقتها عن تهديد مصالح العالم سيكون مهمة ليست بذلك الصعوبة على الجيش الأميركي، وهو الجيش الأقوى على مدار التاريخ البشري، فالطمأنينة في غير موضعها هي أحد أكبر الأخطار على الدول وصناع القرار.
الحروب الطويلة لا تخاض بلغة المعارك السريعة، والمواجهات الاستراتيجية لا تدار بلغة التكتيكات القصيرة، هذا منطق التاريخ وطبيعة الدول ونوعية القادة وصناع القرار، ومن هنا أهمية قوة السياسة قبل الوصول للقوة العسكرية، وكل المعطيات اليوم تشير إلى أن بناء تحالفٍ دولي ضد إيران أصبح يشهد تصاعداً مؤيداً على المستوى الدولي أكثر مما كان عليه قبل اتخاذ النظام الإيراني لقرار تهديد التجارة الدولية وخطوط إمداد الطاقة العالمية.
النظام الإيراني نصف غريقٍ لا يفتش عن قشة لينقذ نفسه، بل يسعى لإيذاء كل من يمكنه إنقاذه على الشاطئ، وهذه خطيئة الآيديولوجيا حين تتحكم في السياسة، وخطيئة أوهام استعادة الإمبراطورية البائدة، وكلها تبعد صانع القرار عن الواقعية السياسية والعقلانية في التعامل مع المعطيات الحاضرة، فالمراهنة على أن تهديد خطوط تصدير النفط سيرفع أسعاره ويضر بالخصوم هي مراهنة يقودها العناد، لأنها ستتسبب في خسائر سياسية كبرى للنظام الإيراني وأثرها محدود جداً على خصومه.
النفط سلعة حيوية لكل دول العالم بلا استثناء، ومحاولة التلاعب بها وضرب توازناتها الدقيقة وعدم استيعاب نتائج صناعة اضطرابات فيها تثبت أن هذا التوجه هو لعبٌ حقيقي بالنار، ودافع كبير للأفراد قبل الدول في العالم أجمع للبحث عن منقذٍ يخلّص العالم من هذه الشرور الكبرى ويقضى مرة واحدة وللأبد على هذا التهديد الدائم للأمن والسلم الدوليين والذي لا يمثله في العالم أحدٌ إلا النظام الإيراني المستمر في نفس النهج لأربعين عاماً متواصلة.
أخيراً، فقد نجحت دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية في فضح النظام الإيراني وحشد العالم ضده لارتكابه الحماقات في السياسة والاقتصاد.