د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

نحن والمدير والقائد

هناك بالفعل فارق كبير بين المدير والقائد. وهذا ليس مجرد شعور أو مغالطة شائعة، بل حقيقة علمية، قرأتها في أبحاث عدة رصينة، وأكدتها مشاهدات الواقع من حولنا.
وكان أبراهام زاليزنيك من أوائل من طرحوا اختلاف الأدوار بين المدير والقائد عام 1970، في مقال شهير، في دورية «هارفارد بزنس ريفيو»، إذ كشف أبراهام أن القائد مبادر proactive، وهو مَن يشكل الأفكار، في حين أن المدير يركز جهده على الإجراءات process، وفرق العمل، وينحصر عمله في نطاق منظمته التي يعمل فيها. بينما عُرف عن القائد انشغاله بالتفكير في المتغيرات من حوله، أي خارج المؤسسة، وكيفية وضع الخطط والأفكار التي ترفع المنظمة نحو مستويات أعلى من النجاحات والتحالفات.
ورغم اختلاف أدوار القياديين والمديرين، فإن أحدهما يكمل الآخر. وكلّما كبرت المؤسسة زادت حاجة قائدها إلى مديرين أكثر، وإلا اضطر إلى الانهماك في تفاصيل العمل الإداري، ونسي دوره كربان السفينة.
والفارق بين المدير والقائد كَشَفَه بوضوح الباحث وارن بينيز، إذا وجد أكثر من 10 أدوار مختلفة يقوم بها كل منهما. منها مثلاً أن القائد «يطور»، في حين أن المدير «يحافظ» إلى حد ما على الوضع الراهن. و«يبدع» القائد في محاولة للإتيان بأمور جديدة كلية، مثل تغييرات جذرية في إجراءات العمل، أو دمج إدارات أو قطاعات، أو تخفيض مصاريف هائلة هنا وهناك، في حين أن المدير بطبيعته يؤثر إبقاء الأمور على حالها maintain. والقائد «يركز على الناس»، في حين يتمحور تفكير المدير حول الأنظمة والهياكل العامة التنظيمية. ولوحظ أن القادة يميلون إلى «إنشاء أمور جديدة» originate، في حين لا يمانع مديرون من «تقليد» أو محاكاة أمور قائمة كلوائح أو أفكار حتى تسير عجلة الإدارة بوتيرة أسرع.
أما أشهر ما يتمتع به القياديون، فهي مسألة تحدي الوضع الراهن. ولذا تجدهم لا يترددون في نسف نظام كامل أو قطاع أو منتج أو خدمة، إذا تبين عدم جدواها. بمعنى آخر، لا يلتفتون عادة للأمور العاطفية المتعلقة بهذه المسائل، غير أن المدير بطبيعة مسؤولياته وانشغاله في العمل اليومي وتفاصيله، فإنه «يتقبل الوضع الراهن». وهذا ما يجعل المديرين مضطرين للتكيف مع الواقع، لكن هذا لا يعني بالضرورة قبوله أو تأييده.
الفوارق بين المدير والقائد أمر صحي لبيئات الأعمال، ليكمل بعضها بعضاً، غير أن المشكلة تكمن عندما يتفرغ الأول لمسؤوليات الثاني، فمن نواقص القائد أن ينشغل في يوميات المدير.