طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«بلهارسيا» عبد الحليم حافظ

عندما احتدمت المعركة الغنائية، في مطلع الستينات، بين المطربين عبد الحليم حافظ ومحمد رشدي، اتهم رشدي «حليم» على الملأ بأنه يحاكيه في اختيار الأغاني الشعبية، ويسعى أيضاً للاستحواذ على تلك الشريحة من طبقة العمال والفلاحين التي تعلّقت به. كان رشدي قد تمكّن من تحقيق قفزة جماهيرية واضحة بأغنيتي «وهيبة» و«عدوية». وقال رشدي: «أنا فلاح أغني لأهلي وناسي (تحت الشجر يا وهيبة يا ما كَلْنا برتقان) و(في إيديا المزامير وفي قلبي المسامير)، وعبد الحليم يغني للقاهريين والمترفين: (توبة أن كنت أخاصمك تاني توبة)، و(أنا لك على طول خليك ليا)».
أجابه عبد الحليم: «أنا الأقرب للفلاحين، لأنني أساساً منهم، أعاني من أشهر مرض يهاجمهم، ويعذبهم وتنزف دماؤهم بسببه، وهو (البلهارسيا)»، وبالفعل مع مرور الزمن رحل حليم عن الدنيا بسبب المضاعفات التي يسببها هذا المرض اللعين، لأنه لم يتم علاجه مبكراً فاستوطن في الكبد.
كان حليم حريصاً على أن يعلن مرضه كنوع من الدفاع عن النفس، حتى إنه في أكثر من حفل شاهدناه يأخذ أقراص العلاج أثناء عزف الفرقة الموسيقية، بينما تعودنا أن الفنان يُخفي عن الناس آلامه، خصوصاً أن فتى الأحلام يجب أن يظل له سحره عند الجمهور، ويبدو في كل الأحوال «على سنجة عشرة».
في الأشهر الأخيرة، شاهدنا العديد من الفنانين وهم يصارحون جمهورهم بحقيقة أمراضهم، مثل المطرب خالد سليم، ومقدم البرامج شريف مدكور، والنجم فاروق الفيشاوي، وغيرهم، لم يعد هناك حرج في إعلان المرض عبر الفضائيات، أتصور أن الهدف المباشر هو الحصول على الدعم العاطفي، للوصول إلى الإحساس بالمشاركة.
أغلب النجوم ستكتشف أنهم يتكتمون الإعلان عن المرض، مثلاً سعاد حسني لم يعلم الناس حقيقة ما تعانيه إلا بعد الرحيل، كانت قبلها قد قررت السفر إلى لندن، والإقامة شبه الدائمة هناك حتى تختفي عن نظرات المتطفلين، الذين سوف يتساءلون عن أسباب السمنة الزائدة، بالإضافة إلى إصابتها بالعصب السابع الذي أدى إلى معاناتها في أحد جانبي وجهها.
بالطبع توجد بعض حالات مرضية صعبة يعيشها الفنان ولا يمكن أن يخفيها عن الجمهور، مثل الموسيقار محمد فوزي، الذي سمح بالتقاط صورة له بعد أن تداعت صحته تماماً وتناقص وزنه واقترب من شاطئ النهاية، فقرر وداع جمهوره، خصوصاً الأطفال، في رسالة تقطر دموعاً نشرها عام 1966.
بينما فوجئ فريد شوقي بأن التلفزيون الرسمي المصري عام 1998 يذيع خبر رحيله، حيث كان يعاني من مشكلات في القلب، صارح جمهوره بحقيقة المرض من المستشفى، وهو ينفي خبر الرحيل، وأكد أنه يعتبرها مجرد بروفة للرحيل، وبعد 40 يوماً فقط أذاع التلفزيون الرسمي خبر الرحيل، ومع الأسف لم يتم وقتها نفيه.
هل الناس تحب الفنان فقط وهو في كامل صحته ولياقته أم تتعاطف مع مرضه؟ فعلتها المطربة إليسا بشجاعة نادرة، بل والتقطت صورها وهي تتلقى العلاج، وتوجه الملايين بالدعاء لها في العالم العربي، كما أنها، وهذا هو الأهم، منحت أملاً لكثير من المرضى بالمواجهة، وهو أيضاً ما سبق لأحمد حلمي أن فعله قبل بضع سنوات.
أسقطت وسائط التواصل الحديثة أوراق «السوليفان» الزائفة، الناس على استعداد لأن تمنح القوة والتعاطف وفيضاً من الحب للفنان لو استشعروا بأنه بحاجة حقاً إلى أحضان قلوبهم الدافئة.