خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الشاعر يشحذ

لئن أوغل الشعراء في ذم البخلاء، فإن كثيراً من نجوم الشعر العربي قد كانوا في الحقيقة في مقدمة البخلاء. أذكر منهم المتنبي ومحمد مهدي الجواهري. ولكن ذلك السخط الشاعري على البخلاء ناتج من واقع الفقر الذي عاشه معظمهم. يكفينا أن نتذكر من ذلك كيف أن ذلك الشاعر الاجتماعي الجليل حافظ إبراهيم لم يملك غير أن يستجدي حذاءً من جاره حامد سري ليلبسه ويحضر به حفلة عرسه. قال:

أحامد كيف تنساني وبيني وبينك يا أخي صلة الجوار؟
أيشبع مصطفى الخولي وأمسي أعالج جوعتي في كسر داري
وبيتي فارغ لا شيء فيه سواي وإنني في البيت عاري
وما لي «جزمة» سوداء حتى أوافيكم على قرب المزار

ومضى الشاعر ليستجدي منه الطعام أيضاً:

وعندي من صحابي الآن رهط إذا أكلوا فآساد ضواري
فإن لم تبعثن إليَّ حالاً بمائدة على متن البخار
تغطيها من الحلوى صنوف ومن حمل تتبل بالبهار
فإني شاعر يُخشى لســاني وسوف أريك عاقبة احتقاري

وقبل حافظ بقرون، وصف شمس الدين الموصلي، في القرن الرابع عشر الميلادي، بهذه الأبيات المأساوية، أحوال معيشته وبيته الذي لم يتسع صغراً حتى للرقود والامتداد:

أصبحت أفقر من يروح ويغتدي ما في يدي من فاقة إلا يدي
في منزل لم يحو غيري قاعداً إذا رقدت رقدت غير ممد
لم يبق فيه سوى رسوم حصيرة ومخدة كانت لأم المهتدي
ملقى على طراحة في حشوها قمل كمثل السمسم المتبدد
والفأر تركض كالخيول تسابقت من كل جرداء الأديم وأجرد
هذا ولي ثوب تراه مرقعاً من كل لون مثل ريش الهدهد

وراح الإمام البوصيري يستجدي الحكام باسم شعراء عصره، فوجه كلماته لوزير الدولة يستعطفه فيقول:

يا أيها المولى الوزير الذي أيامه طائعة أمره
إليك نشكو حالنا إننا حاشاك من قوم أولي عسره
صاموا مع الناس ولكنهم كانوا لمن أبصرهم عبره
إن شربوا فالبئر زير لهم ما برحت والشربة الجره
لهم من الخبيز مسلوقة في كل يوم تشبه النشره
أقول مهما اجتمعوا حولها تنزهوا في الماء والخضره
وأقبل العيد وما عندهم قمح ولا خبز ولا فطره
فارحمهم إن عاينوا كعكة في كف طفل أو رأوا تمره