د. توفيق هندي
سياسي لبنان
TT

هل يتجه الشرق الأوسط نحو الحرب؟

الشرق الأوسط في حالة غليان غير مسبوقة، وهو على قاب قوسين من تطورات دراماتيكية. والسؤال هو هل المنطقة على شفير حرب؟ الإجابة بنعم أو لا تبدو لي سطحية ومتسرعة.
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من نظرة موضوعية للطرفين الرئيسيين المرشحين لخوض الحرب عملياً (إيران وإسرائيل)، والعوامل التي تدفع كلاً منهما إلى اتخاذ قرار الحرب أو عدمه.
لإيران وجهان: الوجه الفارسي (مع كل ما يحتويه هذا التوصيف من معاني الحنكة السياسية المتأتية من الماضي الإمبراطوري لإيران) والوجه الإسلامي (الشيعي الاثني عشري المستند إلى نظرية ولاية الفقيه). وهنا، لا يراودني الشك بأن الوجه الفارسي هو في خدمة الوجه الإسلامي، وليس العكس. ما يجعلني أشك بأن تقبل إيران بالنقاط الـ12 الذي تحدث عنها وزير الخارجية الأميركي بومبيو، التي تعني عملياً أن تتراجع إيران عن تمددها، وعن تسلحها الصاروخي، ومشروعها النووي، أي أن تستسلم بمعنى أن يتخلى النظام الإيراني عن علة وجوده (مشروعه الإسلامي الأممي).
وضع «الحرس الثوري» على لائحة الإرهاب يحوّل، بالمنظور الأميركي، إيران، من دولة راعية للإرهاب إلى دولة إرهابية. فـ«الحرس الثوري» هو القلب النابض لإيران، وهو الأداة العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية في يد الولي الفقيه. وهو يمتلك القدرات العسكرية ويمسك بالبرنامج النووي والصاروخي، ويمتلك ثلث الاقتصاد الإيراني ويسيطر على قرار ميليشيا النظام («الباسيج» الذي تعداده بالملايين)، فضلاً عن أنه مولج «تصدير الثورة» عبر «فيلق القدس» الذي يشكل «حزب الله» عموده الفقري. لذا، وضع «الحرس الثوري» على لائحة الإرهاب أمر في غاية الخطورة، ويؤشر إلى سياسة العصا الغليظة التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه إيران.
بالتوازي ثمة تطورات خطيرة فيما يخص الوضع الفلسطيني: إهداء القدس إلى إسرائيل، ومؤخراً الجولان، مع «صفقة القرن» التي ستتكشف معالمها قريباً، وضم المستوطنات في الضفة إلى إسرائيل، وإقامة حكم ذاتي فلسطيني فيما تبقى منها، وضم أراضٍ إلى الأردن، وإقامة كونفدرالية بين إسرائيل والأردن ومنطقة الحكم الذاتي. من الواضح أن هكذا صفقة لا يمكن تمريرها «على البارد»، أي أنها تتطلب فرض وقائع جديدة على الأرض، وتغيير موازين قوى. إن هذه التطورات تحرج إلى أقصى الحدود «محور المقاومة» التي تتزعمه إيران، وتدفع بها إلى المواجهة، وإلا تفقد مصداقيتها في محاربة إسرائيل. فإيران ليست فقط ضد «صفقة القرن»، إنما ضد أي عملية سلام مع إسرائيل، وهذا موقف آيديولوجي في صلب عقيدتها ومن دعائم حكم ولي الفقيه، تستغله إيران أيضاً للمزايدة على الدول العربية.
سياسة ترمب تجاه إيران تقوم على عزلها دبلوماسياً، وخنقها اقتصادياً، ودفع الشعب إلى ثورة تطالب بالخبز والحرية ضد حكامها، وضرب استقرارها الداخلي من خلال تزكية تناقضات التركيبة الداخلية الإيرانية (سني - شيعي، فارسي - غير فارسي)، كل ذلك بهدف تركيع النظام واستسلامه دون الاضطرار إلى خوض الحرب عليه.
راهنت إيران على كسب الوقت والصمود ريثما يسقط ترمب تحت ضربات الديمقراطيين، فيأتي رئيس أميركي يخالف سياسة سلفه. من الواضح أن هذا الرهان سقط، والأرجح أن يعاد انتخاب ترمب لأربع سنوات إضافية.
إيران في مأزق. تعاني كثيراً في الداخل، ولكن لا يمكنها التراجع عن تمددها في الخارج الذي يستنزف ما تبقى لها من قوة. بتقديري، أن نظامها صلب استناداً إلى عوامل القوة الداخلية التي عددتها سابقاً، وإلى الروح الاستشهادية التي يتميز بها أتباع النظام الإيراني. لذا، لا أتوقع أن يسقط النظام من الداخل، كما لا أتوقع أن يستسلم. ولكن لا أشك بأنه سوف يعاني، مما يجعله يحاول فرملة تمدده تكتيكياً، ومحاذرة الدخول في حرب بتوقيت العدو من الصعب أن يربحها.
غير أن زخم «الطحشة الأميركية - الإسرائيلية» في الملف الفلسطيني والتصعيد في استهداف إيران قد يدفعها نحو الهروب إلى الأمام بردود عسكرية موضعية يقوم بها «فيلق القدس»، من دون أن يكون بالضرورة هدف أميركا و/ أو إسرائيل استدراج إيران إلى الحرب. أين؟ في الخليج؟ في العراق؟ في سوريا؟ في لبنان؟ من الصعب الإجابة عن هذا التساؤل. ولكن هل يمكن التحكم بعدم تدحرج الأوضاع إلى حرب شاملة تكون إيران أحد مسارحها؟
أما من زاوية إسرائيل، فالعراق وسوريا لم يعودا يشكلان خطراً عسكرياً يذكر عليها. العالم العربي بمجمله بحالة مخاض ولم يعد بحكم الواقع عدوها الأول. بالمقابل، تشكل إيران خطراً وجودياً على العالم العربي، لا سيما السني منه، كما تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل لأنها تطوقها من الجنوب (من خلال «الجهاد الإسلامي» و«حماس» في غزة) ومن الشمال (من خلال الميليشيات الشيعية المنضوية في «فيلق القدس»، وذلك على الجبهة السورية - اللبنانية المتواصلة مع طهران عبر العراق).
من ناحية أخرى، لإسرائيل في أميركا - ترمب أفضل حليف يشكل لها فرصة ذهبية للتخلص من عدوها اللدود الذي يطوقها. بالإضافة إلى هذه العوامل، إذا شكل نتنياهو حكومة مع اليمين المتطرف والأحزاب الدينية، وهذا الأرجح، قد يدفعه قرب محاكمته بالفساد إلى استعجال الحرب. ولكن يبدو أن في إسرائيل رأيين بما يخص اتخاذ قرار الحرب؛ رأي يقول بضرورة استغلال الظرف المؤاتي الذي قد لا يتكرر، وتحمل بعض الخسائر نتيجة امتلاك «حزب الله» و«حماس» عدداً من الصواريخ الدقيقة التي يمكن أن تلحق الأذى بما يسمونه الجبهة الداخلية، ولأن تأجيل القرار قد يلحق ضرراً أكبر، ورأي آخر يفضل محاذرة الدخول في الحرب والرهان على أن الوقت قد يدفع الطرف الإيراني إلى الاستسلام للأمر الواقع.
بالملخص، أميركا تريد تركيع إيران من دون حرب. إيران محشورة بين قدراتها المتهاوية وإرادتها في الاستمرار بقيادة «محور المقاومة»، والمحافظة على علة وجودها، ولكنها تحاذر في اتخاذ قرار الحرب، وهي قد تهرب إلى الأمام بمواجهات موضعية يمكن أن تتدحرج باتجاه حرب شاملة، وإسرائيل قد تفضل قرار الحرب الآن على الانتظار ودفع أثمان أغلى في المستقبل.
لذا، الاحتمالات كافة واردة.

* سياسي لبنان