حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

عولمة مسلمي العالم

العالم تحول إلى «مجموعة» كبيرة على تطبيق «الواتساب» مع تداول الأخبار السريع، وبات الكل يتفاعل بشكل فوري. عشت تلك المسألة بشكل شخصي وعملي في واقعتين مختلفتين؛ الأولى كانت حادثة الاعتداء الإرهابي على مسجدي مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا، والثانية كانت حريق كاتدرائية نوتردام في باريس بفرنسا. لاحظت التفاعل العريض والعابر للحدود مع الحادثتين، بغض النظر عن الاعتقاد الديني أو الوطني أو العرقي، ولكنه تعاطف فطري وإنساني بحت، وإن كانت أصوات الكراهية والغضب استمرت في الصياح من الأطراف كافة، وهي أطراف تربت وتعلمت البغضاء والكراهية كجزء أساسي من تفكيرها وسلوكها وعبادتها، وتعتقد يقيناً أنها بذلك تتقرب إلى خالقها، وتزداد مكانة ورفعة في الدرب السليم.
وعموماً فإن أدبيات الغضب والكراهية لا تزال بخير وفي الوقت نفسه يتواصل غثاء التبرير بحجج واهية وأدلة هشة. ولكن في هذا الفضاء الفسيح والعالم الكبير الذي نعيشه، تصبح هذه الآراء «الكراهية» أشبه بالضوضاء المزعجة، وخصوصاً بالنسبة إلى العالم الإسلامي، الذي بات عدد المسلمين فيه من خارج العالم العربي ثلاثة أضعاف وأكثر من المسلمين العرب. وهذا الواقع بات يفرض أدبيات «أوسع» وآفاقاً أعرض خارج النظرة التقليدية التي تثبت واقعياً أن هذا الدين هو رحمة «للعالمين»، بلا سقف ولا حد جغرافي معين. فكما كانت عطاءات غير العرب من أمثال بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي حنيفة وأبي حامد الغزالي وابن سينا وغيرهم في خدمة الإسلام في السابق، تأتي أدبيات حديثة اليوم من مسلمين ومهتمين بالفكر الإسلامي من خارج الدائرة العربية لا بد من النظر إليها بمنتهى الجدية والاحترام... فهناك كتّاب مهمون ومحترمون ومؤثرون جدا من أمثال الياباني توشيهيكو إيزوتسو الذي أبدع في شرح مفاهيم الإيمان وعلوم الكلام، وهناك أيضاً الكتابات الرائعة للألمانية الراحلة المتخصصة في التاريخ الإسلامي آن ماري شيمل، ولها كتاب عبقري وعظيم عن الرسول، صلى الله عليه وسلم. أيضاً هناك كتب الأميركي جيفري لانغ ومواطنه حمزة يوسف. هؤلاء وغيرهم يقدمون نموذجاً فكرياً لإسلام أعلى من أي كراهية عنصرية وتمييز ضيق وبغيض.
روجيه غارودي الفرنسي ومواطنه موريس بوكاي قالا في ذلك الأمر شيئا كثيرا، وسبقهما إلى ذلك محمد أسد، الذي كتب كتابه العظيم «الطريق إلى مكة»، رحلته بوصفه نمساويا مسلما جديدا. وهناك الأكاديميون الأميركيون المعاصرون؛ شمس فريدلاند وعبد الله شلايغر، اللذان حاضرا وكتبا شيئا كثيرا عن الإسلام العالمي والعابر للحدود والبعيد عن التصنيف والعنصرية.
تأثير المسلمين غير العرب على الفكر الديني المعاصر سيكون عظيماً، ولغة الواقع والأرقام ستفرض نفسها بشكل حتمي. دورة الحضارات وتأثير الثقافات هي سنة كونية ترقي من يسمح بها، وتعزل وتقوقع من يحاربها ويشكك فيها.
الإسلام ليس منتجاً جغرافياً ولا عرقياً حصرياً، وأي محاولة لتحجيمه عن رسالته الأممية فهي مساهمة في صنع ثقافة التعصب وتزكية خطاب الكراهية.