د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«خدعة» زيادة الرواتب!

عندما يُعلَن عن الرغبة في «دراسة السوق» لتحديد مدى الحاجة لزيادة الرواتب، فهذا لا يعدو كونه محاولة «تخدير» لمطالبات الموظفين. قد تكون المؤسسة جادة لكن ما يهم في عالم إدارة الموارد البشرية، معرفة ما هي سياسة الرواتب المتبعة. على سبيل المثال، إذا كلفنا شركة مستقلة لدراسة السوق ثم تبين أننا نقع في مستوى دون المعدل السائد في السوق بقليل قد تستمر الشركة أو الجهة العامة بمعدل الرواتب نفسه معللة قرب ما تقدمه من امتيازات مادية من معدل الجهات المماثلة.
غير أن السؤال، ليس مدى بعدنا أو قربنا عن معدل الرواتب السائد، فلربما يكون دفعنا لرواتب مطابقة للمعدل السائد هو بحد ذاته السبب في جعل بيئتنا طاردة high turnover خصوصاً في ظل وجود بيئة غير جاذبة أصلاً من ناحية التقدير المعنوي. ولذا يبرز أمامنا في مجال الإدارة ثلاثة خيارات؛ الأول أن نكون في طليعة الركب وهو ما يطلق عليه «سياسة المقدمة» lead، بحيث ننجح من خلالها في استقطاب الأفضل برواتبنا المغرية. والخيار الثاني هو سياسة «مطابقة السوق» match. والثالث أن نتعمد بأن نكون في مؤخرة الركب، «سياسة التخلف عن الآخرين» lag لاعتبارات عديدة منها مادية أو أننا كحكومة لا نريد منافسة القطاع الخاص حتى لا نثقل كاهل الدولة برواتب هائلة.
وقد اطلعت عبر عضويتي في مجالس الإدارة على دراسات للسوق، من خلال شركة مستقلة، لكن بعد الدراسة ظهر السؤال الجوهري، الذي ربما لا ينتبه إليه بعض القراء أو الموظفين، وهو: ما السياسة التي ستعتمدها الإدارة العليا أو المجلس أو ديوان الخدمة المدنية. هذا هو المحك.
وهناك خيار رابع، تلجأ إليه بعض المؤسسات التجارية وهو عبارة عن «سياسة خليطة» mix بين ما سبق ذكره من حلول ثلاثة، كأن ندفع فقط لكبار القياديين في المؤسسة رواتب تفوق السوق بكثير لجذب قيادات فذة تنهض بالمنظمة. ولحسن الحظ فإن الدراسات التي رأيتها سابقاً من شركات معتبرة كانت تصنف لنا الرواتب بحسب المناصب من رئيس المؤسسة حتى صغار المرؤوسين وحديثي التخرج في قطاع محدد. وهو ما يمكن متخذي القرار من استقطاب الأفضل برواتب تنافسية على أمل الارتقاء بالأداء. ربما تكون فعالية هذه سياسة مؤقتة من حيث الفعالية أو لاعتبارات مرتبطة بقلة الموارد المالية لكن إعادة النظر بالرواتب ككل أمر لا مفر منه بعد كل فترة زمنية. والسبب أنه في بعض الأحيان تكتشف جهات حكومية أنها تنافس بعضها بعضا بالامتيازات من دون أن تشعر لأن أحداً لم يجر مقارنة هادئة.
كما يجب إعادة النظر في الرواتب، لأن التضخم في الأسعار يلتهم معظم الدخل الشهري. فإذا لم يزد راتب الموظف لمدة 3 أعوام وكان معدل تضخم الأسعار في البلد 2 في المائة سنوياً (6 في المائة في ثلاث سنوات) فإن زيادة الراتب بمقدار 5 في المائة في السنة الرابعة لا تعد زيادة أصلاً لأنها لم تغط الارتفاع في السلع والخدمات التي أكلت راتب الموظف.
شخصياً أرى أن العمل الحكومي، يجب ألا يكون جاذباً أكثر من القطاع الخاص، لأن الأمل معقود على الشركات لتطوير شبابنا العربي، وهو أمر ليس من صلب عمل الجهات العامة التي يعد العمل فيها «شرفاً وطنياً» وليس مادياً كما وصفه لي صديق أميركي مخضرم بالقطاع الحكومي وقد شارف على الثمانين من عمره!

[email protected]