د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الهروب من المقاطعة!

اتصل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بسيدة الغناء العربي أم كلثوم وقال لها إنه «يتعمد إجراء اجتماعات المجلس الثوري السرية وقت إذاعة حفلاتها على الراديو المصري لعلمه بأن البلد بأسره يستمع إليها ويمكن للمجلس الاجتماع من دون مقاطعة». هذه الكلمات جعلتها «تنتشي فخراً»، وهذا ما كان يحدث في أول كل خميس من كل شهر عبر إذاعة صوت القاهرة الذي اعتبر حدثاً ثقافياً لم يشهد له مثيل في اهتمام الشارع العربي. هذا ما ذكره يوري بار - جوزيف في كتابه الجميل «الملاك» الذي طبع عام 2017 عن «الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل»، في إشارة إلى صهر عبد الناصر.
ورغم سلطة الزعيم العربي عبد الناصر، وكاريزمته الفذة، فإنه كان يعاني مثلنا من مشكلة إدارية ما زالت مستفحلة حتى يومنا هذا؛ وهي مقاطعة المسؤولين. ولا يلام الرئيس، فمن بيننا كعرب من يعتقد أن من حقه الدخول على أي مسؤول في أي وقت يشاء. ولا ندرك معنى أو أهمية انشغال كبار المسؤولين؟!
وهذا ما ذكرني بـ«الباب الخلفي» الذي لاحظته في مكاتب نواب مجلس الأمة الكويتي (البرلمان). سألت أحد النواب: متى تستخدم هذا المخرج؟ فقال: عندما يأتيني ضيف ثقيل ومن دون موعد «أنحاش»، أي أهرب، حتى يغادر ثم أعود إلى الانهماك في العمل. فهو يؤثر «الهروب» على مواجهة ضيفه أو الاعتذار له بانشغاله. لأننا في مجتمع قد يفسر انشغال المسؤول بأنه «تعالٍ» أو نوع من تبني سياسة «الباب المغلق»! مع أن سياسة الباب المفتوح مرتبطة أصلاً بمواعيد عمل معينة. وقد سبق أن أعلن الوزير الألمعي د. غازي القصيبي تبنيه سياسة الباب المفتوح، لكن في أوقات محددة يمارس فيها طوال الوقت فضيلة الإنصات وتدوين ما يلزم من إجراءات.
ولذا تجد في أدبيات الإدارة وعالم الأعمال أفكاراً يلوذ بها القياديون بالفرار من ضيف لا يقدر حجم الانشغالات والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم. ومن ذلك، أن يتفق المسؤول مع سكرتيرته بأن تدخل عليه بعد مدة زمنية قصيرة (20 دقيقة) لتذكره بصوت مسموع بأن لديه اجتماعاً ما، من دون تحديد الوقت. المفترض أن اللبيب بالإشارة يفهم. أما إذا كان الضيف «عديم الإحساس» فإنني وجدت لذلك مبرراً اتخذه وكيل وزارة حينما وجدت مكتبه مفتوحاً للجميع! فما إن يتجاوز الضيف المدة المعقولة حتى يدخل السكرتارية الضيف الثاني، بطريقة عفوية، فينصرف الأول... وهكذا. وإذا كان الموضوع سرياً يترك الجميع في مكتبه ويختلي بالضيف في غرفة أخرى أصغر داخل مكتبه. وبغض النظر عن مهنية الطريقة فإنها حل للوظائف العامة ذات الطبيعة الخدمية.
ومن الحلول الصغيرة عدم تقديم مشروبات ساخنة تستغرق وقتاً أطول في تناولها وإعدادها، والاستبدال بها مشروبات باردة أو الدلة العربية التي تفي رشفاتها بالغرض وأصول إكرام الضيف.