طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

صراع الشاشة والحياة

هل نحكم على الإنسان الذي نلتقيه من خلال تلك الصورة التي اكتسبناها عبر تراكم الأعمال الدرامية، أم أن هذه نقرة وتلك أخرى؟
لا أنكر قطعاً التأثير، إلى درجة أن أم كلثوم أشارت في مذكراتها التي سجلها لها الإذاعي وجدي الحكيم إلى أن علاقتها بفنان الكوميديا الأول في عالمنا العربي نجيب الريحاني، شابها قدر من سوء التفاهم، فلقد غضب منها عندما شاهدته لأول مرة في أحد فنادق الإسكندرية، فلم تتمالك نفسها من الضحك، وهو على الجانب الآخر لم يتمالك نفسه من الغضب، وفي تلك اللحظة أمسك حقيبة السفر وذهب للإقامة في فندق آخر.
من الواضح أن أم كلثوم مثل أغلب الناس حدث لديها ما هو معروف في علم النفس بالارتباط الشرطي، بمجرد رؤية نجيب الريحاني وجدت نفسها في حالة ضحك.
رغم أننا ندرك طبعاً أن الإنسان ليس هو الوجه الآخر للفنان، عندما كان الريحاني مثلاً يشرع في كتابة أي عمل درامي مع رفيقه بديع خيري، لو تأملنا كل الصور المنشورة لهما معاً سنجدها تشير إلى قدر لا ينكر من التجهم، وهما كثيراً ما تشاجرا وتخاصما أثناء كتابة تلك المواقف الكوميدية، ولكنهما يعودان بعدها أصدقاء، كان الكاتب الساخر أحمد رجب أثناء لقائه مع فنان الكاريكاتير الاستثنائي مصطفى حسين، كثيراً ما يتعاركان فكرياً قبل أن ينجزا الكاريكاتير اليومي لجريدة «الأخبار» المصرية.
الصورة النمطية هي واحدة من الموروثات التي يلجأ إليها الإنسان لكي يحصل على المعلومة بأقل مجهود، مثل أن كل مصري خفيف الظل، وهي قطعاً لا يمكن أن تكون صحيحة، نعم جزء من المصريين يعتبر أن السخرية والنكتة جزء من أسلحته الدفاعية في الحياة، وفي الكثير من الدول العربية عندما يشاهدون المصري يسألونه عن آخر نكتة، وتكتشف أن الأقلية منهم فقط هم الذين يملكون القدرة على حفظ النكتة ناهيك عن إلقائها.
قبل أيام قرأت خبراً عن حلقة نقاش أقيمت بالجامعة الأميركية بالقاهرة، تناولت الصورة الذهنية للصحافي، وكيف أن الدراما قد شوهتها، وكالعادة أعلن عدد من الزملاء الغضب، وطالبوا أجهزة الإعلام بمصادرة تلك الأعمال.
لو راجعت كيف تناولت الرواية الصحافي لاكتشفت أن الوجه السلبي كان هو المسيطر مثلاً على نجيب محفوظ، فهو في أغلب رواياته يقدم الصحافي الفاسد الذي يبيع الوهم للناس مثل «رؤوف علوان» في «اللص والكلاب»، كما أن أكثر من أشار إلى تنازلات الصحافيين الشخصية والمهنية، هم أيضا الصحافيون الذين كتبوا أعمالاً روائية مثل إحسان عبد القدوس، وفتحي غانم، ومصطفى أمين وغيرهم.
أشهر شخصية انتهازية، التي أطلق عليها الكاتب الصحافي موسى صبري، اسم «محفوظ عجب» في روايته «دموع صاحبة الجلالة»، وشاهدناها في السينما والتلفزيون، أكد موسى أنها كانت مزيجاً من أحد صحافيي جيله ناصبه العداء، والآخر من تلاميذه الذين انشقوا عليه.
نقابة الصحافيين المصرية كثيراً ما ناقشت طلباً من بعض الزملاء بالتدخل لمصادرة بعض الأعمال السينمائية والتلفزيونية، بسبب وجود صحافي منحرف ضمن الأحداث مثل فيلم «عمارة يعقوبيان» للكاتب علاء الأسواني، وشخصية رئيس التحرير الشاذ «حاتم رشيد»، إلا أن النقابة قالت: ليس على رأسنا ريشة، ومن حق الجميع أن ينتقدنا، ورفضت قبل ثلاثة عشر عاماً مصادرة الفيلم.
نعم كثيراً ما نقرأ عن غضب المحامين والأطباء والمرشدين والسجانين وغيرهم، من أصحاب المهن، من الممكن طبعاً أن أتفهم ذلك، ولكن يظل أن من واجب الصحافيين التصدي لكل من يريد حماية خاصة، وإسقاط الريشة من فوق رؤوس الجميع، وأولهم الصحافيون.