ماجد العمري
كاتب ورجل أعمال
TT

أمطري يا سماء بيوتاً للسعوديين!

«من يزرع يأتيه المطر».. هكذا تقول الحكمة الصينية القديمة ويتنباها كثير من الثقافات الشرقية والغربية، وقد أكدت ذلك بعض الدراسات الحديثة أنَّ المطر يأتي لمن يزرع الشجر، وفي التنمية البشرية «قانون الوفرة» وهو أن الرزق يأتي لمن ينتج، فأصحاب العقول الغنية هم من يؤمنون بأن الرزق وافر، فيسعون ليكسبوا ويكسب الآخرون والمجتمع معهم أيضاً، أما أصحاب عقلية الندرة، فأولئك الذين يظنون أن الرزق محدود، فإما أن تأخذه أنت أو يأخذه غيرك! ولا مانع أن يخسر الآخرون من أجل أن يكسب هو!
حديثي ليس عن الرزق والوفرة، ولكن عن أزمة الإسكان الحالية في السعودية والتي تأسست لأجلها هيئة الإسكان قبل نحو 8 سنوات، وجرى تحويلها لوزارة في عام 2011م بدعم حكومي سخي كبير ومن الملك شخصيا، حيث رصد لها ميزانية 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية، ولكن النتيجة للأسف هي أن هذه الوزارة لم تكن بقدر هذه المهمة الكبرى فلم تَبنِ شيئاً يُذكر حتى الآن! وبدلا من ذلك تبنت حملة إعلامية غير مبررة تجاه التجار في أنهم سبب أزمة الإسكان وأنه يجب أن يتم فرض ضرائب عليهم والتضييق عليهم ووو..إلخ. واستغلتهم كشماعة لفشلها للأسف! وبدلاً من أن تحل أزمة الإسكان ضيعت 8 سنوات وأخرجت من السوق الكثير من المطورين وأربكت السوق العقارية وزادت الأزمة وانتقلت كثير من الاستثمارات العقارية السعودية إلى دول مجاورة، ففي تقرير صحافي للاقتصادية بين أن الاستثمارات العقارية السعودية في تركيا تجاوزت 6 مليارات ريال وقريب منها في دبي وفي مصر أيضا!
وفي جلسة مجلس الشورى قبل شهرين انتقد المجلس أداء وزارة الإسكان بشدة وأنها لم تُنجز شيئاً مما كُلفت به، حتى إن بعض الأعضاء طالبوا الوزير بالاستقالة!
ويحق لنا أن نسأل: كم تُمثل أراضي المنح ومشاريع الإسكان الحكومي القديمة من الأحياء السكنية الحالية؟ 10 في المائة مثلاً؟ مَن إذن الذي ساهم بشكل رئيس في إنشاء الـ90 في المائة من الأحياء التي تحولت من الطين إلى التمدن خلال الـ40 عاماً الماضية؟ أليس التجار والشركات والمواطنين بدعمٍ رئيسي من الحكومة عبر صندوق التنمية العقاري، فلماذا نطردهم الآن؟!
ويحقُّ لنا أن نسأل أيضاً: إذن مَن المتسبب الحقيقي في أزمة الإسكان؟ أليست هي بعض القطاعات الحكومية مثل البلدية والمياه والكهرباء؟ وأكبر دليل على ذلك أن وزارة الإسكان نفسها سحبت من الجهات الحكومية صلاحيات اعتماد مخططاتها وتنفيذ الخدمات عليها، وسحبت عددا من قيادات القطاع البلدي ليعملوا معها لتسهيل أعمالها، فلماذا عملت كل هذا؟ أليس لأنها عانت الأمرين مع البيروقراطية؟! فإذا كانت البيروقراطية تُعطل مشاريع وزارة الإسكان التي تبناها الملك، فماذا عن التاجر العادي أو شركات التطوير العقاري؟! بالتأكيد ستكون الصعوبات أضعاف ذلك! فلماذا إذن يتم مهاجمتهم في الإعلام ومِن الوزير نفسه بدلاً من تشجيعهم وتحفيزهم؟! وهل هذه الوزارة تستطيع أن تسدَّ العجز السكني الحالي والذي يصل إلى مليوني وحدة سكنية؟
أما من تمَّ منحه أراض بملايين الأمتار قديماً داخل المدن، فهذا يتمُّ إجباره بتطوير أراضيه أو إعادتها للحكومة، ولكن ما علاقة الآخرين في ذلك؟!
باختصار، المطور العقاري في كل دول العالم يتمُّ تشجيعه من قبل الحكومة بالأراضي والتشريعات والخدمات والتمويل، وهو المساهم الرئيس في حل أزمة الإسكان إن عرفنا التعاون معه لا طرده!
وأما الحديث عن الضرائب فهي موجودة، فكل حي سكني يُأخذ منه 33 في المائة إلى 50 في المائة من الأرض خدمات ومرافق حكومية وتنفيذ كامل البنية التحتية عليه، فما الضريبة إذن؟! وفي كل الأحوال الضرائب سيتحملها المواطن مثلما ارتفعت تكاليف السلع والخدمات والعمالة بعد رسوم وزارة العمل «2400 ريال» وحملة تصحيح العمالة وتلك حكايةٌ أخرى!
أخيراً، هناك عقلية غنية تسهم في النجاح للجميع وتتشارك مع الآخرين كما هي العقلية التي بنت المدن الصناعية في الجبيل وينبع، والتي نفخر بها جميعا، وهناك وزارة الإسكان بعقليتها الحالية التي ساهمت في شحِّ الإسكان بدلاً من توفيره!
وقديما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إنَّ السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة»، وقال أحد الحكماء: «من ثمراتهم تعرفهم»، فمتى نعرف أن هذه الوزارة لن تحلَّ أزمة الإسكان بل تزيدها؟! وأن السماء لن تمطر علينا بيوتاً؟!.

* كاتب ورجل أعمال