روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
TT

«وثيقة الجولان»: السياسة اليوم... والأزمة لاحقاً

في احتفال كبير، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 25 مارس (آذار) الماضي داخل البيت الأبيض إعلاناً أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ينص على اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان.
في الواقع، لم يكن الاعتراف بحاجة لإعلان أو احتفالية، لكن ترمب يضع نصب عينيه الانتخابات الرئاسية عام 2020، في وقت تتسم قاعدته الشعبية بالضآلة. وتشير الأرقام إلى أن 24 في المائة فقط من الأميركيين اليهود صوتوا لصالح ترمب عام 2016، فيما صوّت 71 في المائة منهم لصالح هيلاري كلينتون. عليه، يحتاج ترمب إلى مزيد من أصوات اليهود، ويرى في إعلان الجولان فرصة لتحقيق ذلك. جدير بالذكر أن الحزب الديمقراطي اعتاد توفير دعم لإسرائيل أقوى بكثير عما يوليه تجاه الفلسطينيين.
من جهته، كتب آرون بليك مراسل سياسي لدى صحيفة «واشنطن بوست»، بتاريخ 26 مارس، أنه تبعاً لاستطلاع جديد للرأي فإن 27 في المائة فقط من الديمقراطيين يدعمون إسرائيل أكثر من الفلسطينيين، بينما يبدي 26 في المائة منهم تعاطفاً أكبر تجاه الفلسطينيين عن الإسرائيليين. وقال بليك إن استطلاع الرأي الجديد يؤكد نتائج تحليل نتائج استطلاع آخر أجري العام الماضي كشف أن أعضاء الحزب الديمقراطي يتحولون تدريجياً باتجاه الفلسطينيين، بدلاً من إسرائيل.
من الملاحظ، أن قيادة الحزب الديمقراطي ترددت إزاء انتقاد النائبة إلهان عمر بسبب الانتقادات التي وجهتها لإسرائيل وحملت نبرة معادية للسامية. وجدير بالذكر أن النائبة إلهان لديها كثير من الأصدقاء في صفوف النواب الجدد داخل الكونغرس عن الحزب الديمقراطي وكذلك بين قواعد الحزب. ويشير الواقع إلى أن ثمة انقساماً حقيقياً في صفوف الحزب الديمقراطي على هذا الصعيد.
من جهته، يسعى ترمب والحزب الجمهوري إلى الإفادة من هذا الانقسام، وذلك عبر توجيه رسائل إلى المجتمع اليهودي الأميركي مفادها أن الحزب الديمقراطي يتحول باتجاه العداء للسامية ومعاداة إسرائيل، في ذات الوقت الذي يثبت ترمب كونه صديقاً لنتنياهو وإسرائيل.
جدير بالذكر أن ترمب نقل السفارة الأميركية إلى القدس وخفض المساعدات الموجهة إلى الفلسطينيين وأغلق مكتب السلطة الفلسطينية في واشنطن واعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان. ويقول جمهوريون إن الأميركيين اليهود ينبغي أن يحولوا دفة تأييدهم ويصوتوا لصالح الجمهوريين.
بالنسبة إلى نتنياهو، يتعلق احتفال توقيع الإعلان أيضاً باعتبارات سياسية، فقد ساعده صديقه ترمب بتوجيه الدعوة إليه للحضور إلى البيت الأبيض قبل أسبوعين من الانتخابات الإسرائيلية. يأتي ذلك في وقت يواجه نتنياهو ظروفاً صعبة تتمثل في اتهامات جنائية بالفساد، لكن في إمكانه أن يظهر للناخبين الإسرائيليين أنه يتمتع بعلاقات طيبة مع الإدارة الأميركية وأن إسرائيل بمقدورها الاحتفاظ بالجولان إلى الأبد. ويأمل نتنياهو في أن يساعده ذلك في الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 9 أبريل (نيسان) الحالي.
وتشكل تلك حسابات سياسية أميركية وإسرائيلية قصيرة الأمد، في وقت يفكر بعض المحللين في تداعيات أطول أمداً لهذه الإجراءات. من جهته، كتب مايكل يونغ، المحلل البارز لدى «معهد كارنيغي»، في 27 مارس أن ضم إسرائيل للجولان اليوم بمباركة أميركية قد يعني مستقبلاً ضمها للضفة الغربية، وذلك في غضون سنوات قليلة. وأعرب يونغ عن قلقه حيال إمكانية أن يساور إسرائيل اعتقاد بأن باستطاعتها فرض شروط للسلام على الفلسطينيين والعالم العربي من دون صعوبة تذكر.
اللافت أن ديفيد وينبرغ، نائب رئيس معهد الاستراتيجية الإسرائيلية، كتب في 29 مارس في صحيفة «جيروزاليم بوست» أن قرار ترمب يعني نهاية «أرض السلام». وقال وينبرغ إنه إذا لم يقدم الفلسطينيون تنازلات كبرى الآن، ستقدم إسرائيل على ضم الضفة الغربية ولن يكون للفلسطينيين سيادة عليها أبداً.
كما أن دينيس روس، المسؤول السابق عن عملية السلام داخل وزارة الخارجية الأميركية، كتب في «واشنطن بوست» بتاريخ 29 مارس أن اعتراف ترمب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان قد يشجع إسرائيل على ضم أجزاء من الضفة الغربية أو كامل الضفة. وقال روس إن «حل الدولتين» أصبح بعيد المنال اليوم، لكنه ما يزال ممكناً من الناحية النظرية. وحذر الدبلوماسي الأميركي السابق من أنه حال قضاء إسرائيل على إمكانية «حل الدولتين»، سيشرع الفلسطينيون في المطالبة بالحصول على المواطنة الإسرائيلية وحقوق مكافئة لمواطني إسرائيل الحاليين. وستكسب هذه المطالبة بالمساواة تعاطفاً داخل إسرائيل وخارجها وتسبب أزمة أمام الديمقراطية الإسرائيلية. وحث روس إدارة ترمب على تحذير إسرائيل من عدم الإقدام على ضم الضفة الغربية. بيد أنه من غير المتوقع أن يقدم الرئيس الأميركي الحالي أو وزير خارجيته على هذا الأمر.
من جانبي، تحدثت إلى أميركيين من أعضاء منظمة «إيباك» التي تعتبر واحدة من جماعات الضغط المهمة بالولايات المتحدة وتدعم إسرائيل بقوة. واللافت أن قيادة «إيباك» تدعم علانية «حل الدولتين» لإسرائيل والفلسطينيين. وترغب المنظمة في الحفاظ على علاقات طيبة مع الديمقراطيين والجمهوريين، ذلك لإدراكها أن الإدارة «الجمهورية» الحالية قد تفسح الطريق أمام إدارة «ديمقراطية» قريباً.
أيضاً، تدرك «إيباك» أنه من دون مبدأ «الأرض مقابل السلام» ستزداد صعوبة التمتع بعلاقات طيبة مع الجيل الجديد من الحزب الديمقراطي. في هذا الصدد، كتب أنشيل فايفر، الصحافي الإسرائيلي البارز لدى صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، هذا الأسبوع أن «إيباك» تواجه صعوبة أكبر في دعم نتنياهو لأنه مقرب من الديمقراطيين ويعارض بوضوح مبدأ الأرض مقابل السلام. ويكشف ذلك أنه حتى «إيباك» تدرك أن ديمقراطية إسرائيل قد تواجه أزمة، وأن أنصار إسرائيل داخل الولايات المتحدة قد يواجهون هم أيضاً أزمة في الفترة المقبلة.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»