«أتمنى طرد جميع المسلمين من الوظائف العامة». «أريد التخلص من جميع المساجد في بريطانيا». «المسلمون ينتمون إلى العصور الحجرية». «في بريطانيا ثقافات عديدة، لكنّ واحدة فقط هي التي تسبب المشكلات». «يجب جمعهم وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية». «المسلمات يرتدين البرقع لأنهن قبيحات». «لن أصوّت لساجد جاويد (وزير الداخلية البريطاني المسلم) في أي سباق لزعامة حزب المحافظين لأن هذا بمثابة تصويت لكي يقود الإسلام هذه البلاد». «نحن نرجع للوراء الآن كي نُرضي المسلمين».
هذه كانت بعض التعليقات على موقع للتواصل الاجتماعي لمجموعة من أعضاء ومؤيدي حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا. مع التعليقات كانت هناك خريطة لجميع المساجد في بريطانيا مع ردود عدائية من بينها «هذه ليست دولة إسلامية»، و«لن نسمح بعملية الاستيلاء». شخص آخر ضمن المجموعة، التي تضم 20 ألف عضو، شكا من أن تيريزا ماي رئيسة الوزراء، متساهلة للغاية مع «الإرهاب الإسلامي»، مقتبساً تصريحاً لماي قالت فيه إن «بريطانيا استفادت كثيراً من الإسلام»، مضيفاً: «قُولي ذلك لعائلات أكثر من 100 شخص بريء قُتلوا في شوارع المملكة المتحدة في هجمات إرهابية إسلامية».
وسط الضغوط، جمّد حزب المحافظين عضوية 40 شخصاً ممن شاركوا في هذه التعليقات للتحقيق معهم بتهمة الإسلاموفوبيا، ثم عاد فألغى تجميد عضوية 15 منهم وأعادهم للحزب في صمت قبل أيام.
بعض قيادات المحافظين، مثل البارونة سيدة وارسي الرئيسة السابقة للحزب، تقول إن تلك الواقعة وغيرها تكشف تغلغل الإسلاموفوبيا و«العنصرية المؤسسية» ضد المسلمين في حزب المحافظين الحاكم، محذرةً من أن العداء للإسلام في الحزب يتفاقم بسبب ميله المتزايد نحو اليمين المتشدد بغية جذب أصوات اليمين القومي الشعبوي، ومتهمةً قيادات الحزب بأنها «تغضّ الطرف عن الظاهرة على أمل أن تزول من تلقاء نفسها».
المجلس الإسلامي في بريطانيا قال إن التعليقات تُظهر «أن حجم الخوف من الإسلام على جميع المستويات في حزب المحافظين مذهل». وكرر المجلس دعوته لإجراء تحقيق مستقل في الإساءات المعادية للمسلمين داخل الحزب، وهي دعوة لطالما رددتها البارونة وارسي من دون جدوى.
آخرون قالوا إن الواقعة تكشف الحاجة الملحّة إلى أن يحذو حزب المحافظين الحاكم حذو باقي الأحزاب السياسية في بريطانيا ويتبنى تعريف الإسلاموفوبيا الذي اتفقت عليه لجنة برلمانية بريطانية تضم كل الأحزاب السياسية. فأحزاب: العمال، والأحرار الديمقراطيون، والقومي الاسكوتلندي، والقومي الويلزي، تبنّت، بعد 6 أشهر من المناقشات، التعريف الذي أقرّته اللجنة البرلمانية التي تكوّنت من نحو 50 عضواً في البرلمان البريطاني. لكنّ حزب المحافظين يرفض تبنّي التعريف الجديد رغم ضغوط عليه منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وحتى بعد أزمة التعليقات المسيئة الأخيرة من قِبل مجموعة من أعضائه، ما زال الحزب يرفض تبنّي التعريف الجديد.
وفقاً للتعريف الجديد للإسلاموفوبيا الذي اقترحته اللجنة البرلمانية فهي ظاهرة «متجذرة في العنصرية، وهي نوع من العنصرية التي تستهدف كل ما هو إسلامي، أو ما هو متصوَّر أنه إسلامي». ويهدف وضع التعريف إلى المساعدة في التصدي للظاهرة المتنامية.
وعبّر مجلس مسلمي بريطانيا عن امتعاضه الشديد من رفض حزب المحافظين تبنّي التعريف الجديد رغم المناشدات، موضحاً في بيان أنه «من بين أولئك الذين يعارضون التعريف، هناك العديد من المتعصبين، وأولئك الذين يسعون عمداً لتشويه التعريف، وأولئك الذين يرغبون في وضع معيار للتعريف لم يتم وضعه للأقليات الأخرى، وكذلك أولئك الذين لديهم مخاوف بحسن نية»، من أن يُستخدم التعريف لمنع حرية الرأي والتعبير.
كذلك انتقدت مجموعة «أمل... لا كراهية» البريطانية موقف حزب المحافظين، واتهمته بعدم اتخاذ سياسات واضحة وإجراءات حازمة لاجتثاث الإسلاموفوبيا وسط قواعده. وخاطبت المجموعة قيادة الحزب، مشيرةً إلى وقائع وحوادث محددة وشكاوى من تصرفات أو تصريحات عناصر في الحزب. كما أشارت إلى أن الأمر طاول أحياناً قيادات في الحزب مذكِّرة بالضجة التي أحدثها بوريس جونسون وزير الخارجية السابق الطامع في رئاسة الحزب عندما كتب مقالاً هاجم فيه المنتقبات ووصف مظهرهن بـ«صناديق البريد»، و«سارقي البنوك» الملثمين.
لم تكن تلك الضجة الوحيدة التي أثارها جونسون باستخدامه تعبيرات تسخر من المسلمين أو تلعب على ترويج الصور النمطية عنهم، إذ كتب في مقال آخر مهاجماً سياسات تيريزا ماي واعتبرها مثل «حزام ناسف» حول خاصرة حزب المحافظين. وعلى الرغم من الانتقادات التي وُجهت إليه بأنه يغازل اليمين المتطرف، ويغذّي الصور النمطية و«الإسلاموفوبيا»، فإنه رفض الاعتذار.
موقف جونسون ليس معزولاً لأن حزب المحافظين ذاته يرفض الاتهامات والانتقادات الموجَّهة إليه بسبب رفضه تبني التعريف الجديد للإسلاموفوبيا، ويدافع عن موقفه موضحاً أنه على دراية بأن وضع هذا التعريف يهدف إلى تعزيز جهود مواجهة التعصب والانقسام، لكنّ «هذا النهج ينبغي أن يتم النظر إليه بعناية للتأكد من أن تأثيره سيكون إيجابياً كما هو مقصود». هذا الموقف يبدو غريباً إذا قارنّاه بموقف الحزب المتحمس لتبني تعريف معاداة السامية وهجومه العارم على حزب العمال عندما أبدى تحفظات على هذا التعريف في البداية، قبل أن يتبناه تحت ضغط الانتقادات، خصوصاً من الإعلام.
من نافلة القول إن أي تعريف واحد للإسلاموفوبيا لن يحل تلك المعضلة التي تنتشر في الغرب وتعمَّق الهوّة وسوء الفهم، لا سيما إذا كان ذلك التعريف فضفاضاً. أضف إلى ذلك أن هناك من يرى أن تعبير الإسلاموفوبيا ذاته ليس دقيقاً إن لم يكن مضللاً. فالإسلاموفوبيا تعني الخوف من الإسلام، وهو تعبير يحمل في طياته فكرة أن هناك ما يخيف من الإسلام. من هذا المنطلق ربما يكون التعبير الأدق لوصف ما يحدث هو الكراهية أو أن يقال: «معاداة الإسلام» على غرار ما استُخدم في حالة «معاداة السامية» التي وُضع لها تعريف عامل تبنّاه كثير من الدول والحكومات الغربية بما فيها الحكومة البريطانية.
«معاداة الإسلام» هي شكل من أشكال العنصرية بلا جدال، وتنبغي مواجهتها قانونياً وفقاً لقوانين مكافحة العنصرية، وأخلاقياً وفقاً للمعايير المتّبعة ضد كل ما يثير الكراهية ويؤجج العداء على أسس دينية أو عرقية، أو بسبب اللون أو الجنس. الجريمة الإرهابية التي استهدفت المصلين في يوم جمعة في مسجدي نيوزيلندا وأدانها العالم، تقدِّم دليلاً آخر على ما يؤدي إليه التأجيج المستمر ضد المسلمين، وأهمية التحرك بجدية لمواجهة الظاهرة التي يتنامى خطرها.
TT
معركة تعريف «الإسلاموفوبيا»
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة