د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

«حماس» تحاصر غزة !

نطق بها أهل غزة واضحة لا تحتاج إلى تأويل، حيث قالوا «بدنا نعيش» بعد أن نفد صبرهم وضاقت بهم الحيل والسبل، فما كان لهم إلا أن أعلنوها «ثورة الجياع»، حيث إن أبسط حاجات الإنسان هي الغذاء والمسكن والدواء والعمل.
إن جذور المشكلة في جوهرها تتمثل في أن قادة حركة «حماس» أخذتهم العزة بالإثم، خصوصاً بعد أن انهالت عليهم الأموال القطرية من جهة، والصواريخ الباليستية الإيرانية من «حزب الله» من جهة أخرى، منذ ذلك الوقت وهم يسلكون سياسات تربطهم وتورطهم في نفس الوقت، وهي قضايا أكبر منهم ومن قدراتهم الذاتية، ودخلوا في اللعبة الدولية وأداروا ظهورهم للقضية الفلسطينية ولسكان غزة خاصة، وزجوا بأنفسهم كقادة في قضايا لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وتحالفوا مع دول وأحزاب ليس لها شأن بالقضية الفلسطينية مثل ارتباطهم بإيران وقطر وحزب الله والحوثيين والنظام السوري، حتى غدتْ غزة مثل السجن الكبير وباتت في طريق مسدود.
لقد تركت «حماس» أهل غزة يعانون من الجوع والفقر والبطالة، فما كان لأهل غزة إلا الانتفاضة التي هي هذه المرة ليست ضد إسرائيل، ولكن ضد قادة «حماس».
والذي زاد من تأزم الوضع في غزة هو دخول النظام القطري على الخط، وهو الذي يعاني من المقاطعة الخليجية، وفي غزة وجد ضالّته في الإخوان المسلمين من حركة «حماس»، وذلك لأن النظام القطري جعل من الدوحة مأوى لـ«الإخوان» الذين هربوا من مصر وغيرها من البلدان، بل جاؤوا من كل حدب وصوب في العالم.
لذلك أخذت الدوحة تقدم الأموال لـ«حماس» دعماً لمشروع الإخوان الذي فشل في البلدان العربية كافة في الوصول إلى السلطة، وتسببوا بأزمات كثيرة منها ما يجري في غزة الآن من انقسام وتوتر بين الفصائل الفلسطينية وعن أولويات الناس من خدمات واقتصاد، بالإضافة إلى ما فعلوه في البلدان العربية من تخريب وعبث.
بذلك أصبح أهل غزة بين فكَّي كماشة، حيث يعاني المواطن الفلسطيني العادي من ظروف قهرية في الداخل تتعلق بالمستوى المعيشي، وفي الوقت ذاته يواجه الجيش الإسرائيلي على الحدود بالرصاص ويسقط قتلى منهم.
ويرى القيادي في حركة «فتح» محمد الحوراني، أن ما يحصل بغزة في الوقت الحالي، يشكل «ثورة جياع لأناس يعانون وضعاً صعباً للغاية منذ سيطرة (حماس) على القطاع قبل 12 عاماً». وأضاف في حديث مع موقع «سكاي نيوز عربية»، أن «إسرائيل وجدت في حركة (حماس) الخصم الملائم حتى تبرر حصارها، وهدف إسرائيل، في نهاية المطاف، هو استنزاف الشعب الفلسطيني وإضعافه، فضلاً عن استخدام الانقسام الداخلي بمثابة ذريعة لدفن أي مسار سياسي».
وأورد الحوراني أن «الدوحة تقدم الأموال لـ(حماس) دعماً لمشروع الإخوان الذي فشل في البلدان كافة التي وصلوا فيها إلى السلطة، إذ يتحولون في الغالب إلى سبب للأزمة بسبب ما يُحدثونه من انقسام وتوتر، بعيداً عن أولويات الناس من خدمات واقتصاد».
تأزُّم الوضع السياسي في غزة خصوصاً في علاقتها بمنظمة «فتح» هو ما تسعى إليه إسرائيل، والأموال القطرية التي وصلت إلى القطاع لم تساعد على تخفيف الأزمة، لأنها «لا تقدَّم من باب الغوث الإنساني، بل تذهب مباشرة إلى قادة (حماس)، وإسرائيل تعرف هذا الأمر وتملك قوائم الآلاف من المستفيدين».
لم يكن أحد يصدق أن حركة «حماس» التي كانت في يوم ما لها رصيد شعبي كبير وحققت نجاحات في انتخابات المجلس الوطني التشريعي، أن تكون هي الآن من تقمع شعبها وتطارده. لقد فوجئت الحركة الآن بأن الجمهور الفلسطيني الطيب والمعطاء والقادر على معرفة الاتجاهات، يعرف متى يكون الشعار صادقاً ومتى يكون لمجرد الاستهلاك الكلامي أو الإعلامي.
قد أعطى هذا الجمهور كل ما طلبت حركة «حماس» منه في التصدي لثلاث حروب قاسية منذ سنة 2008 حتى 2014، وتحمل أوجاع الحصار لمدة 12 عاماً، ومنح كل ما في عروقه من دم في مسيرات العودة على مدى عامٍ كامل، كل ذلك عندما كان الهدف واضحاً ويستحق المواجهة، أما عندما تجاوزت «حماس» ذلك إلى استغفال هذا الجمهور وابتزازه واستخدامه، فإن هذا الجمهور يعرف بالضبط كل التفاصيل.