ستيفن كارتر
TT

انقطاع «فيسبوك» يكشف عن قيمته للمجتمع

عندما انقطعت خدمة «فيسبوك» لعدة ساعات مؤخراً، سرعان ما تحول المستخدمون إلى «تويتر». وكان أغلب ما صادفته هناك مثيراً للإزعاج بدرجة ما، غير أن الكثير من المدونات كانت ذكية للغاية. ولقد رأيت مدونات متنوعة من هذه النوعية تتكرر مرات كثيرة: «خبر عاجل! انقطاع (فيسبوك)! الناس عادوا يتحدثون لبعضهم بعضاً! والأطفال يلعبون بالألعاب!» (في الواقع، كانوا يلعبون لعبة «فورتنايت» ولم يكونوا منتبهين لذلك). وكان هناك ذلك العنوان من موقع «بيفرتون» الساخر: «انقطاع (فيسبوك): ملايين المستخدمين ينزلون الشوارع للصراخ ببياناتهم الشخصية على أمل أن يسمعهم أحد من المعلنين أو وكالات التجسس»!
هذا بالطبع من المرح المفعم بالسخرية اللاذعة. لكن ما الذي صنعه مستخدمو «فيسبوك» فعلياً عندما انقطعت الخدمة؟ يقال في المعتاد (وكانت من بين التغريدات المتكررة أثناء الانقطاع) إن الناس انتقلوا لمتابعة منافذ الأخبار التقليدية للحصول على المعلومات. وقد لا يكون هذا صحيحاً. وهذا من بين عدة نتائج خلصت إليها إحدى الدراسات المهمة التي نشرت في يناير (كانون الثاني) من قبل فريق من خبراء الاقتصاد في جامعتي «نيويورك» و«ستانفورد».
من بين 2844 مستخدماً لـ«فيسبوك» تطوعوا للتجربة، انتقى الباحثون نحو 58 في المائة من الذين وافقوا على تعطيل حساباتهم على الموقع لمدة 4 أسابيع كاملة. ثم انقسموا بدورهم إلى «المجموعة المعالجة» من الذين تلقوا الأموال لقاء البقاء خارج «فيسبوك»، و«المجموعة الضابطة»، التي لم تتلق أي أموال. ثم استخدم الباحثون مجموعة من الوسائل المبتكرة لاختبار مستوى الامتثال أثناء التجربة، ووجدوا أن أكثر من 90 في المائة من أعضاء «المجموعة المعالجة» التزموا بما تعهدوا.
وكانت النتائج رائعة للغاية.
في المتوسط، ومن خلال تجنب الدخول تماماً على «فيسبوك»، حصلت «المجموعة المعالجة» على ساعة إضافية من وقت الفراغ كل يوم. فما الذي فعلوه بهذه الدقائق الإضافية؟ تقول الدراسة إن أعضاء «المجموعة المعالجة» أمضوا أوقاتاً أقل على منصات التواصل الاجتماعي، بخلاف «فيسبوك» وبعض الأنشطة الأخرى على الإنترنت، بينما خصصوا المزيد من الوقت لممارسة مجموعة من الأنشطة خارج الإنترنت تماماً، مثل مشاهدة التلفزيون منفردين، أو قضاء وقت مع العائلة والأصدقاء. (أجل، وقال بعض أعضاء «المجموعة المعالجة» بسعادة أنهم استمتعوا بقراءة المزيد من الكتب، رغم أن الدراسة لم تفصح عن الأرقام).
ثم جاء وقت السياسة. هناك رأي واسع النطاق يقول إن وسائل التواصل الاجتماعي تزيد من حالة الاستقطاب السياسي. وكانت نتائج التجربة متسقة مع هذه الفرضية، حيث حققت «المجموعة المعالجة» انخفاضاً واضحاً في «استقطاب الآراء بشأن قضايا السياسة العامة». ومن جهة أخرى، كان هناك انخفاض في تعرض أعضاء «المجموعة المعالجة» للأخبار عبر «فيسبوك»، ما جعلهم يفهمون وجهة نظر الحزب السياسي الآخر بصورة أفضل. علاوة على ذلك، لم يؤثر عدم استخدام «فيسبوك» على مشاعر المستخدمين السلبية حيال أنصار الحزب السياسي المعارض، إذ إنه ربما هناك قطاع من الاستقطاب السياسي الأميركي غير قابل للتعديل.
فماذا عن الاعتقاد الشائع بأن وسائل الإعلام الاجتماعي تحشد المزيد من مصادر الأخبار التقليدية؟ خلص مؤلفو الدراسة إلى أن العكس هو الصحيح: لم تغير «المجموعة المعالجة» من استهلاكها لأي مصدر من مصادر الأخبار الأخرى داخل أو خارج الإنترنت، وذكرت أنه جرى إمضاء 15 في المائة أقل من الوقت في استهلاك الأخبار.
بالنظر إلى هذه النتيجة، ربما من غير المستغرب أن أعضاء «المجموعة المعالجة» يملكون معرفة أقل بالحقائق الفعلية بشأن الأخبار، على النحو الواضح من الاختبار. وخلال متابعات مع بعد التجربة، كانوا أكثر احتمالاً من نظرائهم في «المجموعة الضابطة» للموافقة على أن المشاركة في «فيسبوك» تساعدهم فعلاً على متابعة الأخبار.
وأخيراً، عمل الباحثون على قياس الرفاه الذاتي لأعضاء «المجموعة المعالجة». وكما يتوقع أحدنا، فإن تأثير البقاء خارج «فيسبوك» لمدة شهر كامل كان طفيفاً، ولكنه إيجابي بصفة عامة. وفي الحقيقة، تقول الدراسة إن الزيادة في رفاهية المجموعة تقاس بنسبة تتراوح بين 25 إلى 40 في المائة من الزيادة المسجلة بين الناس في التجربة.
ويدعو مؤلفو الدراسة إلى توخي الحذر في تفسير نتائج دراستهم. فإن العينة المستخدمة، كما أشاروا، هي لشباب مراهق، مثقف، ويساري. وكانت فترة الانقطاع عن استخدام «فيسبوك» لا تتجاوز 4 أسابيع فقط. وأغلب البيانات تعتمد على الإبلاغ الذاتي من جانب المشاركين في الدراسة.
مع ذلك، فإن نتائج الدراسة لافتة للأنظار - وعلى وجه الخصوص، فإن مغادرة «فيسبوك» يقلل من مستوى المعرفة بالأحداث الجارية. وتسلط هذه النتيجة الضوء على مخاطرة أن عدداً كبيراً من الناس يجدون الأخبار مثيرة للاهتمام فقط عندما يتلقونها عبر رسالة حزبية واضحة. وعندما يفشلون في الحصول على التحيز الذي يفضلونه، فإنهم يولون اهتماماً أقل إلى العالم.
وإن صح الأمر، فإن هذا ليس خطأ «فيسبوك» على إطلاقه. ولكنه أمر نحن في حاجة إلى إصلاحه، إن عرفنا فقط كيفية الإصلاح. وفي الأثناء ذاتها، في المرة المقبلة التي تنقطع فيها خدمة «فيسبوك»، لا داعي للذعر. بدلاً من ذلك، فكروا في الأمر على النحو التالي: لديكم ساعة من وقت الفراغ، استغلوها بحكمة، طالما استمرت.
إن قراءة الكتب وقضاء الوقت على «فيسبوك» ليست بالطبع من البدائل المثالية. وفي الواقع، هناك بعض الأسباب تدعو للاعتقاد بأن «فيسبوك» مصمم لمخاطبة العقل البشري بطريقة لا تخاطبه الكتب بها. وفي تجربة معروفة، تمكن الناس من تذكر بعض العبارات المختارة عشوائياً من مدونات «فيسبوك» بطريقة أكثر دقة من تذكر بعض المقاطع ذات الطول المماثل وبصورة عشوائية من الكتب. وخمن الباحثون بأن السبب قد يرجع إلى البنية العفوية نسبياً لمدونات التواصل الاجتماعي، ما يجعلها تبدو مثل اللغة الطبيعية أكثر من الجمل والعبارات المخصصة للنشر والتحرير.
*خدمة بلومبرغ