روبرت برغيس
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

ازدهار الأسواق المالية يطل بشكل مفاجئ على أوروبا

في ظل ترنح أكبر اقتصاد في منطقة اليورو تفوق أداء مؤشر أوروبا على أداء السوق العالمية منذ نهاية يناير (كانون الثاني)، مما يضيف إلى ارتفاع مؤشر «إم إس سي آي»، الذي تبلغ نسبته 2.86 في المائة، زيادة نسبتها 5.53 في المائة.
ربما سيقول المنتقدون إن هذا فقط نتيجة النبرة الوديعة التي يتبناها البنك المركزي الأوروبي، لكن ذلك لم يحدث سوى الأسبوع الماضي، في حين أن تفوق أداء الأسهم الأوروبية ثابت ومتواصل طوال الستة أسابيع الماضية. يبدو أن هذا الازدهار في جوهره يوضح فكرة أن الاقتصاد الأوروبي، الذي تباطأ أمام جزء كبير من العالم خلال العام الماضي، قد يكون قد تراجع بشكل مؤقت ليزدهر من جديد، حيث يبدو أن إيطاليا تخرج من حالة الركود، وتشهد فرنسا تقدماً، وتبدأ إسبانيا في اللحاق بها. كذلك جاء ارتفاع أرقام الإنتاج الصناعي في أوروبا خلال الأسبوع الماضي على نحو أفضل من المتوقع. وتوضح المؤشرات الاقتصادية المفاجئة لـ«سيتي غروب إنكوربوريشين» أن درجة التباين بين بيانات منطقة اليورو وبين التقديرات هي الأقل منذ نوفمبر (تشرين الثاني)، ويمثل ذلك انتصاراً كبيراً بالنظر إلى حديث خبراء الاقتصاد منذ بضعة أشهر عن احتمال دفع منطقة اليورو للاقتصاد العالمي نحو حافة الركود.
وقد كتب خبراء استراتيجيون في مؤسسة «بنك أوف أميركا» بورقة بحثية خلال الأسبوع الحالي: «بالنظر إلى نقطة البداية المتدنية لكل من تقييمات المواقف والتقييمات المقارنة، نرى أن أقل تحسن في الاقتصاد الأوروبي الشامل سيكون مفيداً، وينعكس إيجاباً على أداء الأسهم الأوروبية». كذلك ذكرت المؤسسة أن أوروبا شهدت أكبر زيادة في مخاطر الأسهم، مقارنة بأي منطقة في العالم بمقدار 11.8 مليار دولار، استناداً إلى تحليل لوضع 4900 صندوق.
وجاء إغلاق عائدات سندات الخزانة فئة العشر سنوات يوم الخميس عند مستوى أدنى من 2.65 في المائة لليوم السادس على التوالي، وهي المدة الأطول منذ يناير 2019. كذلك يبدو أن عدد الذين يرون أن أسواق السندات فقاعة كبيرة قد انخفض، حيث بدأوا يعتادون على فكرة استمرار انخفاض العائدات لمدة أطول.
ويمكن رؤية ذلك في أحدث توقعات خبراء الاقتصاد والخبراء الاستراتيجيين بشأن العائدات. وتوضح التوقعات، التي صدرت يوم الخميس، أن العائدات لن تتجاوز مستوى الثلاثة في المائة حتى نهاية الربع الثالث من عام 2020. وحتى في هذه الحالة سوف تصل العائدات إلى 3.02 في المائة فقط قبل معاودتها للتراجع إلى ما دون 3 في المائة خلال الربع التالي. ويُعد هذا تحولاً هائلاً عن الوضع خلال شهر نوفمبر عندما شهدت العائدات ارتفاعاً قدره 3.55 في المائة في منتصف 2020.
ويمثل ذلك أهمية كبيرة، لأن زيادة العائدات إلى مستوى أعلى من 3 في المائة خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، ووصولها إلى 3.25 في المائة تقريباً كان من الأسباب الرئيسية للتخلص من الأسهم خلال آخر شهرين من عام 2018. وقد أدرك مصرف الاحتياطي الفيدرالي ذلك بوضوح، وسرعان ما تبنى أسلوباً وديعاً بدافع الخوف من أن يتسبب انهيار سوق الأوراق المالية في تباطؤ الاقتصاد، أو حتى يؤدي إلى الركود.
استناداً إلى آراء خبراء الاقتصاد والخبراء الاستراتيجيين، لن يمثل ارتفاع عائدات السندات تهديداً للأسواق المالية والاقتصاد إلا بعد فترة من الوقت. من منافع ذلك انخفاض معدلات الفائدة على قروض المنازل، حيث قال فريدي ماك، يوم الخميس، إن متوسط معدل الفائدة على قروض الرهن العقاري ذات الثلاثين عاماً قد انخفض إلى 4.31 في المائة خلال الأسبوع الحالي، بعدما كان 4.94 في المائة خلال شهر نوفمبر.
واقترب مؤشر «بلومبرغ» للجنيه الإسترليني يوم الخميس من أعلى مستويات له منذ مايو (أيار) حيث حققت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي انتصاراً نادراً بفوزها بدعم سياسيين بريطانيين في السعي وراء تأجيل تنفيذ الخروج من الاتحاد الأوروبي. وتعني تلك النتيجة أن خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي، التي رفضتها أغلبية كبيرة في مجلس العموم مرتين، لا تزال سارية، بحسب تيم روس من «بلومبرغ نيوز».
مع ذلك من غير المرجح أن يشهد الجنيه الإسترليني مزيداً من التحسّن، استناداً إلى الوضع في سوق العملات.
وفي الوقت الذي تعافى فيه الجنيه الإسترليني أخيراً مع تمسّك المستثمرين بالأمل في تمديد الموعد النهائي للخروج من الاتحاد الأوروبي، يشعر ماركوس وونغ، الخبير الاستراتيجي في مصرف «سي آي إم بي» أن ذلك الشعور بالحماسة قد يكون قصير الأمد.
وقال وونغ: «ما هذا سوى تأجيل لمواجهة المشكلة مع اقتراب المملكة المتحدة من التوقيع على اتفاق خاص بالخروج من الاتحاد الأوروبي مقارنة بالوضع منذ ثلاثة أشهر».
على الجانب الآخر، تراجعت عملات الأسواق الناشئة يوم الخميس، وهو أمر غير استثنائي، إلا فيما يتعلّق باستحالة تجاهل أدائها المتوسط أخيراً. بعد ارتفاع مؤشر العملات «إم إس سي آي - إي إم» خلال الفترة من منتصف سبتمبر (أيلول) ونهاية يناير، انخفض بنسبة 1.05 في المائة. قد يبدو أن التراجعات الأخيرة تناقض وتفنّد التقارير المتزايدة التي تشير إلى أن الأسوأ بالنسبة للاقتصاد العالمي قد ولّى. كذلك من المفاجئ أن تعاني عملات الأسواق الناشئة بالنظر إلى موقف مصرف الاحتياطي الفيدرالي، وما تتم الإشارة إليه من تقدُّم في المحادثات الخاصة بالتجارة بين الولايات المتحدة والصين، فمن المفترض أن ينعكس الأمران إيجاباً على الأصول المعرضة للمزيد من المخاطر مثل عملات الأسواق الناشئة. ما الذي يقف وراء هذا التراجع؟ وهل يعني ذلك أن الأسوأ قد ولّى حقاً؟ الأسباب أقل خطورة، بحسب معهد المال الدولي.
بعد اللحاق بمؤشر «إي إم» خلال الربع الأخير، ويناير، يستغل المستثمرون الفرصة لاستعادة التوازن فيما يتعلق بالمخاطر.
على الجانب الآخر، تُعد هذه السنة رائعة حتى هذه اللحظة بالنسبة إلى المعادن، في ظل ارتفاع مؤشر «بلومبرغ أنداستيريال ميتالز صاب» بمقدار 10.4 في المائة. وشهد الحديد، الذي يمثل أساس صناعة المعادن، تحسناً أكبر حيث ارتفع بمقدار 15 في المائة.
وتشير تعليقات أكبر منتج أميركي للحديد، يوم الخميس، إلى أن المكاسب قد بدأت فقط مع تراجع المخرج العالمي من الحديد بمقدار 90 مليون طن متري خلال العام الحالي في ظل انخفاض الإنتاج في شركة «فيل إس إيه»، أكبر شركة منتجة للحديد على مستوى العالم، وبعض الشركات المنافسة لها، مثل «كليفلاند كليفس إنكوربوريشين»، بحسب ما صرح به الرئيس التنفيذي لورينسو غونكالفيز لـ«بلومبرغ نيوز».
النبرة الوديعة للمصارف المركزية الكبرى خلال الأشهر القليلة الماضية من الأسباب الرئيسية لانتعاش الأسهم وغيرها من الأصول المالية الأخرى، التي تتضمن مخاطرة الناتجة عن عمليات التخلص من الأسهم في نهاية 2018، رغم وجود ما يدل على تباطؤ الاقتصاد العالمي.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»