د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

ماذا يستفيد الرجل من نجاحات المرأة؟

لِنَقُل في البداية أجمل ما يمكن أن يقال عن علاقة الرجل والمرأة: هما سر الوجود وقلب الحياة النابض وأصل البشرية والعطاء والخصوبة. إنهما صانعا المعنى بامتياز وحولهما يدور كل شيء. هما الحب في تمظهراته الكثيرة، وعلى عاتقهما وضع الله تعالى امتحان الدنيا وبهجتها وصعابها. هما في الحقيقة واحد تراهما العين المجردة اثنين. لا غنى للثاني عن الأول ولا للأول عن الثاني.
كل هذا جميل بل أيضاً حقيقي، ولكن كل ما قلناه وما لم نقله في مديح العلاقة بين الرجل والمرأة وأهمية هذه العلاقة وجودياً واجتماعياً لم يمنع من أن تكون هذه العلاقة عُرضة للتوتر والصراع والهيمنة تاريخياً. هناك مجتمعات قطعت أشواطاً في تذليل الهيمنة والتمايز بين الجنسين وذلك منذ أن هبّت رياح الحداثة التي بشّرت بتحرير الإنسان رجلاً وامرأة من حتمية المؤسسات الاجتماعية المتحكمة في الفعل الاجتماعي ومجتمعات أخرى بصدد تحقيق بعض الخطوات مع تعثرات واضحة.
ما هو واضح اليوم لكل العالم هو أن تحرير المرأة بالكامل من سلطة المجتمع الأبوي والهيمنة الذكورية قد بات واقعاً لا لبس فيه. حتى لكأن المسألة تتطلب فقط النضال أكثر وتراكم المنجز التشريعي الحقوقي والنتيجة مضمونة لا ريب في ذلك.
فالعالم اليوم انخرط في التحديث ولا مجال للعودة إلى الوراء، كما أن المشاريع المجتمعية الراهنة قائمة على الجنسين وتراهن على تصور جديد للمجتمع ولتقاسم الأدوار والثروة والامتيازات بينهما. بمعنى آخر فإن معركة إعادة بناء العلاقة على أسس حداثية تنتصر للأنسنة بشكل يكون فيه الولاء للإنسان دون الانتماء الجنسي، هي معركة القرن الجديد وحربه المشروعة.
من هذا المنطلق يكون النضال الموجود منذ سنوات في مجتمعاتنا العربية الإسلامية وغيرها إنما هو نضال من أجل مجتمع أفضل وأقوى، ومن أجل رجل أقل أعباء وأكثر تبادلية وعلاقة أفقية بينه وبين المرأة. وتبعاً لهذا الأفق الثقافي الفكري يمكننا القول إن احتفال العالم يوم الجمعة القادم باليوم العالمي للمرأة هو في واقع الأمر احتفال بالجنسين معاً وبالمجتمع ككل.
كما أننا نلاحظ بإيجابية عالية كيف أن المعارك القيمية الثقافية اليوم متداخلة جداً ويخدم بعضها بعضاً. فمعركة تثبيت قيم المواطنة والتربية عليها تصبّ في عصب أساسي منها من المساواة بين الجنسين أمام القانون وفي التشريعات. وهذا وذاك يتداخلان على نحوٍ خلّاق ومثمر ويتجهان صوب غربلة أنماط السلوك الثقافية وممارسة النقد الثقافي لمجتمعاتنا وإعادة تشكيل العقل والوجدان والتمثلات والمخيال.
إن الفكرة بكل ببساطة يلخصها شعار الاحتفال باليوم العالمي للمرأة لهذا العام، حيث إن الطموح للمساواة بين الجنسين هو الهدف الذي يؤطره سقف زمني حددته منظمة الأمم المتحدة بعام 2030.
طبعاً التاريخ المشار إليه يعد قريباً جداً حتى لكأنه الغد. ولا نعتقد أن الأمم المتحدة حددت تاريخاً قريباً فقط تعبيراً عن حلم بقدر ما هو حقاً تاريخٌ مدروس وواقعيٌّ بالنظر إلى ما في حوزة الأمم المتحدة من إمضاءات ما فتئت تتكاثر حول اتفاقيات المساواة بين الجنسين وعدم التمييز على أساس الجنس.
لقد أصبح النضال المباشر في مسألة المرأة وحقوقها وكيفية تطوير وضعيتها الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية من أشكال النضال التقليدية والتي ربما ما عادت تتمتع بنفس الوظيفة والجاذبية.
سنوضح فكرتنا هذه أكثر: اليوم يكفي النضال من أجل حقوق المواطنة بشكل فعال وثابت لأن حقوق المواطنة منظومة جامعة قائمة على فكرة الإنصاف ومبدأ الإنصاف على أسس الجنس والدين والعرق. وهذا في حد ذاته يغني الحركات النسائية عن المواصلة في اعتماد خطاب قد يكون تجاوزته اللحظة الزمنية الدولية من جهة، ناهيك بأنه ربما لم يعد يخدم قضية المرأة بالنظر إلى ما حققته المرأة في العالم من نجاحات مضيئة. أي أن تخصيص قضية نضالية للمرأة اليوم يضعها في مصاف قضايا الأقليات، والحال هي ليست كذلك وما عادت أقلية بالمعنى النوعي الفعلاني للعبارة.
يبدو لي أن الاحتفال باليوم العالمي للمرأة من المهم أن يخضع لمعالجة جديدة من النخب وأن تعيد فهمه وإدراجه ضمن الاحتفال بالمواطنة مع التركيز على قيمة المساواة بين الجنسين. فالقضايا قد تبقى هي ذاتها ما لم تُحل وتنتفي أسباب تحولها إلى قضايا، ولكن الأكيد أن أشكال التعبير عن القضايا تتغير وهذا ما لم نفهمه جيداً: التحكم في الجهد وعدم إهداره يتطلب توحيد جهود النخب في قضية تعد اليوم أم القضايا: المواطنة. والمرأة القلب النابض للمواطنة. بمعنى آخر فإن تكثيف المعارك واختزالها يعني أن تُدمج قضية المرأة المدمجة فعلاً في قضية المواطنة القائمة أساساً على مبدأ المساواة.
إن اليوم العالمي للمرأة وفق هذه الرؤية هو مرادف لليوم العالمي للمجتمع وللمواطنة.