د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

فبراير ليبيا بين الثورة والعمالة

حراك فبراير ليبيا 2011 يتمرجح بين الوصف بـ«الثورة والثوار»، بين أنصارها المحليين والخارجيين، وبين الوصف والتوصيف بـ«الخيانة والعمالة والمؤامرة للناتو» من قبل معارضيها وأنصار القذافي أنصار النظام السابق، بل وتسرب المفهوم حتى لمن ناصر فبراير، ثم انشق عنها بين نادم عنها وآخر رفضاً لمخرجاتها، التي صبغها الإسلام السياسي بالدم والقتل والتهجير والدمار والخراب.
حرب فبراير ارتبطت ببرنارد ليفي صاحب الولاء المطلق للصهيونية، الذي قال عن «ثوار» فبراير، في كتابه «الحرب دون أن نحبها» - وكان شاهد عيان عايش فصول الحرب في ليبيا - قال عنهم ساخراً: «أكثر ما أضحكني من الذين يسمون أنفسهم ثواراً في ليبيا أنهم ينعتون القذافي باليهودي، علماً بأني كنت بينهم من أصول يهودية، ومن حولي مجموعات ممن يسمون أنفسهم ثواراً يقومون على حمايتي». برنارد ليفي الذي يعتبر العراب الحقيقي لـ«ثورة فبراير»، لدرجة أن من يسمون أنفسهم «ثوار مصراتة»، وفق تعبير برنارد ليفي، قد منحوه الجنسية الليبية.
ارتبط حراك فبراير بمشروع ساركوزي بالمنطقة وبـ«حلف الناتو»، عوامل جميعها مجتمعة، جعلت معارضي فبراير يصفونها بل ويعتبرونها صنيعة مؤامرة دولية، كان النظام القطري الذي يوجهه الإخوان جزءاً مهماً فيها، بل وعرابها.
غياب أهداف واضحة لحراك فبراير 2011 في ليبيا، جعل منها مطية لمشروع الإسلام السياسي، الذي كان يغرد خارج سرب الشعب والمواطنين الذين ضاقوا بضنك العيش، ورغبوا في التغيير.
وأيضاً اختلاف أهداف ونوايا من خرجوا في فبراير، جعل الحراك أو الثورة، إذا أردت تسميتها، تنحرف عن المسار الذي تخيله لها المواطن البسيط، الذي وجد نفسه ضحية مشروعات عابرة للحدود، لم تستطع السلطة الحاكمة (سلطة القذافي) في حينها حمايته من التآمر الدولي، وقد يعزى العجز لكبر حجم المؤامرة، التي سُخِّرت لها مليارات، بالإضافة لقنوات إعلامية ضخمة وأجهزة استخبارات كبرى، تدعمها طائرات تابعة لـ«الناتو» وأخرى ليست ضمن «حلف الناتو»، فالكثير ضرب وأسقط القنابل في ليبيا بحجة حماية المدنيين، الذين تركوا بعدها لسبع سنوات عجاف لسكاكين «داعش» و«الإخوان» و«القاعدة».
لتوصيف أي ثورة لا بدَّ من وجود اتفاق على مفاهيم، فالثورة في الأصل هي التغيير الكامل والجذري، أي التحول من حالة الظلم والفساد والجهل، الذي تشخصن في زعيم مستبد، متنوع النسخ من بلد لآخر، اتفق فيه سدنة الزعيم على تأليهه، فاغتر برأيه ورفض النصيحة، وحكم الناس بهواه، لا من خلال دستور يرجع إليه، وجعل البلاد وثرواتها المتعددة وقفاً له يعبث بها أنى شاء، فكانت النتيجة الثورة أو المؤامرة أو التحالف حتى مع الشيطان، المهم هو التخلص من طاغية مستبد، وهذا ما جعل العقل الجمعي يتقبل التغيير، ويتهاون مع الطريقة، ويتساهل مع قبول الخيانة لمجرد أنها سبيل للتخلص من الزعيم المستبد.
لعل روسو ذهب إلى أن مفهوم الحرية يقوم على تطابق بين إرادة الجماعة وإرادة الفرد، لأنها بذلك تتحول إلى فوضى تتسبب في خطر يقع أثره على الجميع، ما يجعل حرية الفرد مقيدة، بسلامة المحيط الذي ينتمي إليه، فحرية الفرد لا تعني مصادرة حرية الآخرين.
لكن فشل فبراير حتى في التأسيس لثقافة التداول السلمي على السلطة على أنه مبدأ ديمقراطي، ويجب أن يكون ضمن أبجديات التحول الديمقراطي، وسنة تتبع في ليبيا الخالية من طاغية مستبد، جعل من ليبيا أكثر ديكتاتورية وطغياناً، في ظل ظهور طغاة ومستبدين جدد بدلاً من طاغية مستبد واحد.
فشل «ثوار» فبراير في القبول بالتداول السلمي على السلطة، جعل منهم منافسين للنظام السابق، لا ثواراً جدداً يؤمنون بالتداول السلمي على السلطة، وفق ما يرى جان لوي كرمون من أن التداول على السلطة يأتي ضمن احترام النظام السياسي القائم، بحيث يدخل تغييراً في الأدوار بين القوى السياسية في المعارضة التي أدخلها الاقتراع العام إلى السلطة وقوى سياسية أخرى تخلت بشكل ظرفي عن السلطة لكي تصبح المعارضة.
وتستمر المعاناة والجدل دون أن نجد توصيفاً مقبولاً من جميع الأطراف، بأن ما حدث في فبراير 2011 كان ثورة بالمفهوم السياسي، بمعزل عن المؤامرة والخيانة، بغض النظر عن الرأي في حكم القذافي وعهده الديكتاتوري.