جستن فوكس
TT

«غوغل» توظف أفراداً أكثر من الصحف الأميركية

توظف «ألفابيت»؛ الشركة الأم لشركة «غوغل» العملاقة، 98 ألفاً و771 موظفاً بدءاً من ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وأثارت تلك الأخبار، الواردة في تقرير «10 كيه» السنوي الصادر عن الشركة الأسبوع الماضي، شهيتي للتفكير والتأمل. فكما تتذكرون؛ تفوقت «غوغل» على صناعة الصحف الأميركية بالكامل من حيث أرباح الإعلانات في عام 2010. والأرقام المسجلة حالياً ليست حتى قريبة من ذلك المستوى قبل 9 سنوات.
وهذه ليست بالمقارنة المثالية؛ فأرباح الإعلانات لشركة «غوغل» تأتي على المستوى العالمي، في حين أن صناعة الصحف في الولايات المتحدة ليست كذلك.
خلال النصف الثاني من القرن العشرين، كانت الصحف في الولايات المتحدة تحقق الأرباح عن طريق بيع الإعلانات بشكل أساسي. وكانت الصحف تستخدم بعض هذه الأموال في توظيف الصحافيين الجدد، ولكنهم تركوا كثيراً من تلك الأموال لأصحابها. وفي عام 1997، بلغ متوسط هامش الربح التشغيلي للصحف الأميركية 19.5 في المائة. وبلغ نصيب مؤسسة «غانيت» نسبة 26.6 في المائة. وتعرضت هذه الهوامش الكبيرة لكثير من الانتقادات عندما شرعت الصحف في الكفاح مع بزوغ شمس الألفية الجديدة. وأذكر حديثي مع كريغ نيوارك من شبكة «كريغليست» في تلك الأيام، وكانت رسالته تفيد بأن أصحاب الصحف يلزمهم التوقف عن التذمر بشأن أرباح الإعلانات المفقودة، والتوقف عن تسريح مزيد من الصحافيين، وقبول هوامش الربح الصغيرة ولكن المستمرة. ولقد اعتادوا فعلاً على الهوامش الربحية الصغيرة - وكان هامش الربح التشغيلي في مؤسسة «غانيت» للأرباع الفصلية المنتهية في سبتمبر (أيلول) يبلغ 6.1 في المائة فقط - ولكن يبدو من الواضح أنهم لم يتوقفوا عن تسريح مزيد من الصحافيين.
والآن، وبطبيعة الحال، فإن شركتي «غوغل» و«فيسبوك» تكدسان أرتالاً من الأموال من عوائد الإعلانات، وتتباهيان بالهوامش التشغيلية الهائلة؛ كانت نسبة «ألفابيت - غوغل» تبلغ 22.9 في المائة في عام 2018، في حين بلغت نسبة شركة «فيسبوك» 44.6 في المائة. وهم يحشدون الجماهير بطريقة أكثر فعالية من حيث التكلفة وأكثر استهدافاً مما أفلحت الصحف في جذبه في أي وقت مضى. وفي السنوات الأخيرة، صارت تلك الشركات من كبار أرباب الأعمال (إذ سجلت شركة «فيسبوك» عدد العمال لديها بنحو 35 ألفاً و587 موظفاً حتى 31 ديسمبر/ كانون الأول). وما لا يفعلونه، مع بعض الاستثناءات العارضة، هو توظيف مزيد من الصحافيين.
وللوهلة الأولى، يبدو أن إجمالي خسائر الوظائف قد توقف تماماً في عام 2010، ولكن هذه الفئة المتعثرة وسريعة النمو من «بوابات النشر الإلكتروني والبث الرقمي والبحث على الإنترنت»، وفي حين أنها تضم كثيراً من الصحافيين الرقميين، فإنها تغطي أغلب الموظفين العاملين لدى شركتي «ألفابيت» و«فيسبوك» أيضاً. وخدمات المعلومات الأخرى كافة، التي تنمو بوتيرة سريعة أيضاً، تشمل المكتبات، والمحفوظات، وبعض الأمور الأخرى. أما قطاع البث الرقمي، والذي شهد قدراً من الانكماش ولكنه أفضل حالاً من كثير من الصحف والمجلات، فيملك كثيراً من الموظفين على الصعيد الترفيهي (صناعات الأفلام السينمائية والتسجيلات الصوتية كانت توظف ضعف عدد الأفراد الحاليين تقريباً في عام 1990، ولكن مع تركيزها على الترفيه بشكل كبير، إلا إنها لا تبدو أنها تنتمي إلى المخططات البيانية ذات الصلة).
ومن المقاييس الأكثر مباشرة والأقل موثوقية من حيث التوقيت المناسب هنا الحساب السنوي للصحافيين والمراسلين من إحصاءات التوظيف التشغيلي الصادرة عن مكتب الإحصاءات العمالية. كان هناك ما يُقدر بنحو 38 ألفاً و790 في الولايات المتحدة في مايو (أيار) عام 2017، هبوطاً من 53060 في عام 2006، والقصة الأساسية نفسها؛ بعبارة أخرى، مع تحول إضافي في فحواها، أنه من المحتمل، بحلول هذا الوقت، أن يكون عدد الصحافيين والمراسلين أقل من عدد العاملين في شركة «فيسبوك».
وقد تم القضاء على كثير من الوظائف الأخرى بسبب التغيرات التكنولوجية على مر الزمن، لذلك يمكن للأمر أن يبدو منطقياً ومرتبطاً بعضه ببعض عندما يسهب أحد الصحافيين في ذكر مساوئ الوظائف الصحافية المفقودة. ولكن الصحافيين يلعبون دوراً اجتماعياً مفيداً، وهذا الدور لا يسهل الاستيلاء عليه بواسطة الذكاء الصناعي، أو التعهيد الجماعي، أو غير ذلك من الابتكارات الحديثة. ورغم أن مزيج نماذج الأعمال الجديدة، ونماذج الأعمال القديمة المهملة سابقاً (الاشتراكات الصحافية بصورة أساسية) ومصادر التمويل غير الهادفة للربح، سوف تكون كافية بدرجة تحافظ على استمرارية عمل الصحافة الوطنية على نطاق فعال، على المستوى المحلي، فإن الأمور في المجمل لا تبدو مشجعة للغاية.
بدأ العلماء في الوقوف على آثار هذه الخسائر لدى الصحافيين المحليين. وخلصت دراسة نُشرت في ديسمبر من تأليف بروفسور في الاتصالات وآخر في العلوم السياسية إلى أن إغلاق الصحف المحلية جعل الناخبين أكثر عرضة للتصويت لصالح توجه سياسي معين، مما يؤدي بالتالي إلى زيادة الاستقطاب الحزبي. وخلص الباحثون إلى أنه «عندما يفقد القراء الصحافة المحلية، يتحولون إلى تحيزهم السياسي لاستمداد الخيارات السياسية».

- بالاتفاق مع {بلومبرغ}