مايكل شومان
TT

مشكلة «هواوي» ليست سياسية فحسب

دفعت الولايات المتحدة بحملة ضد «هواوي تكنولوجيز كو. المحدودة» إلى مستوى قوي جديد، الاثنين، مع كشف وزارة العدل عن قائمة من الاتهامات الموجهة ضد شركة الاتصالات الصينية العملاقة، وذلك لخرقها المزعوم للعقوبات الأميركية ضد إيران وسرقة أسرار تجارية أميركية.
وربما ينظر البعض إلى هذه الاتهامات الأخيرة باعتبارها جزءاً من جهود أوسع نطاقاً من جانب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لكبح جماح الصعود التكنولوجي الصيني، وذلك في ظل تردي العلاقات الاقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم. أما «هواوي» فقد نفت خرقها للقانون الأميركي، مثلما سبق وأن أعلنت من قبل.
من الواضح أن الولايات المتحدة تشارك في صراع جيوسياسي أكبر لاحتواء الصين الصاعدة، في الوقت الذي تراجعت ثقة بكين تجاه واشنطن إلى مستوى خطير. وإلى حد ما، وجدت «هواوي» نفسها محاصرة في إطلاق النار المتبادل بين الجانبين.
ومع هذا، يوماً بعد آخر، تزداد أمام الشركة الصينية صعوبة أن ترسم لنفسها صورة الضحية البريئة تماماً، ذلك أن قائمة الاتهامات والفضائح التي تورطت فيها «هواوي» طويلة بالفعل، في وقت تتزايد علامات الاستفهام حول عملها. وحتى إذا لم تكن مقتنعاً بالادعاءات الخاصة بكون «هواوي» مصدر تهديد أمني خطير - الأمر الذي يبقى حتى هذه اللحظة مجرد افتراض - فإن شركات ودولاً عليها أن تسأل نفسها: هل هناك دخان من دون نار؟
دعونا نواجه الأمر: سمعة «هواوي» المتردية ليست مجرد ضحية لحسابات وخلافات جيوسياسية، ففي عام 2003 اعترفت «هواوي» بنسخ جزء من شفرة برنامج جهاز «راوتر» من شركة «سيسكو سستمز إنك»، والتي تقدمت بدعوى قضائية ضد الشركة. وقد اضطرت «هواوي» للتخلص من الملكية المسروقة. عام 2010، رفعت «موتورولا سولوشنز إنك» دعوى قضائية ضد «هواوي» لسرقتها أسراراً تجارية تخصها، وهي قضية جرت تسويتها لاحقاً.
اليوم، وفي إطار لائحة الاتهام الأخيرة، تواجه «هواوي» اتهامات بسرقة تكنولوجيا تتعلق بالروبوتات من «تي موبايل يو إس إيه إنك»؟ وأصدرت محكمة في سياتل بالفعل حكماً لصالح «تي موبايل» في نزاع عام 2017، وفي الشهر الماضي، ألقت السلطات في بولندا القبض على موظف في «هواوي» بناءً على اتهامات له بالتجسس.
وسرعان ما فصلت «هواوي» الموظف المتهم، وأعلنت أن أفعاله المزعومة لا علاقة لها بالشركة.
ومن يدري، ربما تواجه «هواوي» دوماً اتهامات ظالمة. ومع هذا، تظل الحقيقة أن قليلا من الشركات بمثل حجمها جذبت مثل هذا القدر من الاتهامات بخرق القوانين والقواعد. لذا، فإنه لن يكون من المبالغة الاعتقاد بأن إدارة الشركة أخفقت في إقرار ميثاق شرف مناسب لموظفيها. وإذا كنت تصدق الاتهامات الأميركية الموجهة للشركة، من الواضح أنها مدانة بما هو أكبر عن ذلك بكثير. من جهتها، تدعي وزارة العدل الأميركي أن مديري «هواوي» عرضوا علاوات على الموظفين لديهم الذين ينجحون في سرقة أسرار شركات أخرى.
ويوحي ذلك بأن السرقة المزعومة لم تكن أمراً غير مخول به من جانب الشركة اقترفها بعض الموظفين المارقين، وإنما جهد منظم من جانب الشركة لسرقة منافسيها. من جهته، اعتبر سكوت كينيدي، مدير مشروع الأعمال الصينية والاقتصاد السياسي التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في العاصمة واشنطن، أن هذا العنصر «الأسوأ» في لائحة الاتهام. (لم تصدر «هواوي» تعليقاً على هذا الجزء من الاتهامات الموجهة إليها).
علاوة على ذلك، فإن توجيه الاتهام إلى رئيسة المسؤولين الماليين بالشركة، مينغ وانزهو، وهي ابنة مؤسس الشركة، بتمثيل الشركة على نحو مخالف للقانون في إنجاز أعمال تجارية مع إيران - يوحي ضمنياً بأن النشاطات غير القانونية المزعومة تجري على أعلى المستويات داخل الشركة. يذكر أن مينغ تواجه إمكانية ترحيلها إلى الولايات المتحدة لمواجهة الاتهامات. من جهته، ادعى النائب العام ماثيو وايتيكر أن النشاطات الإجرامية «تسير عبر مختلف المستويات حتى قمة هرم هيكل الشركة».
وربما كانت تلك الانتهاكات المتكررة نتاجاً لرغبة حثيثة في النجاح بناءً على عقلية تقوم على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وعززتها بيئة الأعمال الصينية التي تفتقر إلى الحكم المناسب للقانون. ومع هذا، زادت إدارة «هواوي» من تفاقم المشكلة بسبب رعايتها لثقافة داخل الشركة تقوم على السرية والتكتم.
وحتى في الوقت الذي تصاعدت فيه الاتهامات بحق «هواوي»، تجنب مسؤولوها بوجه عام الظهور العلني ولم يجيبوا عن التساؤلات المطروحة حول ملكية الشركة التابعة للقطاع الخاص وجذور هذه الملكية. فنياً، يعتبر موظفو الشركة أيضاً مساهمين بها، لكن تبقى سحابة كثيفة من الغموض تحيط بكيفية إدارة هذا الأمر على أرض الواقع. منذ فترة قريبة، حاولت القيادات الكبرى لدى «هواوي» إظهار قدر أكبر من الشفافية. وحتى مؤسس الشركة المشهور بحبه الشديد للعزلة وتجنب الأضواء، رين زهنغفي، خرج من خلف الستار وتحدث إلى وسائل الإعلام في وقت سابق من الشهر الحالي. من ناحية أخرى، تظل الحقيقة أن جزءا من الرياح العاتية التي تواجهها «هواوي» تنبع من حقيقة كونها شركة صينية، ومهما أنكر مسؤولوها أنهم يتجسسون لصالح بكين، يعلم باقي العالم جيداً كيف أنه من الصعب على أي شركة تنتمي للأجزاء الرئيسية من الصين رفض طلب موجه إليها من الحزب الشيوعي.
ومع هذا، فإن المشكلات التي تواجهها الشركة أعمق عن ذلك، وتتعلق بأسلوب الإدارة وثقافة عامة تبدو مشجعة على أنماط السلوك الرديء.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»