طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

مكسبات الطعم واللون والرائحة

كثيراً ما نُبدي إعجابنا بجمال فنانة ونحن نرى صورتها تتصدر أغلفة المجلات و(السوشيال ميديا)، ثم تصدمنا الحقيقة المُرة، عندما يسرب أحد صورتها قبل (المكياج)، ليثبت أن الأمر لم يكن أبداً كما نراه الآن، قبل إضافة كل هذه التحسينات من مكسبات الطعم واللون والرائحة.
ليصعد على الفور المثل المصري الشهير (لبس البوصة تبقى عروسة)، الوجه الآخر لتك (العروسة) عندما نضع لها مكياجاً غير ملائم لتصبح (بوصة)، هناك مكياج يغتال الجمال الطبيعي، إنه يبدو كمن يضع سُكر على فاكهة طبيعية ليفسد طعمها. بين الحين والآخر نرى أن (المكياج) لم يعد يقف عند حدود وضع خطوط وألوان وظلال ولكن (البوتوكس) وإخوته، أصبح نوعاً من (المكياج)، ولدينا أمثلة كثيرة لمن صاروا ضحايا لتلك العمليات، التي تؤدي مع الأسف - إذا لم يحسن استخدامها - إلى إحداث تشويه في الكثير من الوجوه التي كنا نتغزل سابقاً في جمالها.
آخر صيحة في (ماراثون) التحدي الذي أتصور أنه سيصبح شعار 2019 هو (المكياج)، شاهدنا في بداية العام تحدي السنوات العشر، حيث إنه من المعروف أن كل عشر سنوات تؤدي عادة إلى تغير في ملامح وجه الإنسان، وهكذا فإن من يقبل التحدي هو الذي يريد تأكيد أن السنوات أضافت إليه، ليثبت عدم صحة قول البحتري (ما أحسن الأيام إلا أنها... يا صاحبي إذا مَضَتْ لمْ تَرْجِعِ).
عدد من الفنانات عالمياً وعربياً شاركن في تحدي (المكياج)، والذي يعني أن الجمال الطبيعي يكسب في نهاية الأمر، فهل هو حقّاً جمال طبيعي، أم أن هناك إضافات على الصورة (فوتوشوب) تلعب دوراً في تحسين الملامح؟
في كل الأحوال لا أريد أن أفسد عليكم متعتكم وأنتم تتابعون تحدي (المكياج)، إلا أن الأهم من الوجوه هو تحدي مكياج الكلمات، الذي انتقل من الوجوه للأقوال، وبالتأكيد فإن مجال السياسة هو الملعب الرئيسي لهذا النوع من التحدي، مثلما أطلق الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل على هزيمة 67 تعبير (نكسة) لتخفيف الوطأة، وتحول انسحاب القوات إلى دعم خطوط الدفاع الداخلية وغيرها، ولكن دعونا من حديث السياسة، ألم تلاحظوا هذا النهم الشديد للألقاب الذي أصاب نجومنا في المرحلة الأخيرة، فصاروا يلهثون وراءه، أغلب النجوم خاصة في الدراما التلفزيونية أصيبوا بداء حرف الجر (في)، يتصدر النجم أو النجمة (التترات) وبعدها يأتي اسم المسلسل، وهذا بالطبع لا يعني سوى شيء واحد، أن الكل صار يعمل في فريق هذا النجم، الكاتب والمخرج وكل الأبطال، ولهذا لو كان لي تقديم (روشتة) لعلاج الدراما، سأكتب مباشرة أن يُلغى فوراً من قاموس (التترات) حرف الجر في.
تابعوا أيضاً بعد أن صارت العصمة الدرامية بيد النجوم، لم يعد عربون الشغل هو المبلغ الذي يتقاضاه الممثل قبل التصوير، ولكن إعلان ولائه وحبه وخضوعه المطلق للنجم الذي يتصدر العمل الفني هو العربون، ولهذا في كل الحوارات يتكرر الكلام حول أفضال النجم عليه وأنه يمنحه مفتاح أداء الشخصية، ولا يبخل عليه أبداً بالنصيحة، لا بأس من أن ينهي تلك الوصلة قائلاً: (أنه لو طلب منه النجم أن يمسح بلاط الاستوديو لفعلها عن طيب خاطر)، ما رأيكم أن يصبح (الماراثون) القادم في (السوشيال ميديا) بعد (المكياج) هو من يجرؤ على تحدي النفاق...