محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

مغالطات منطقية!

المنطق الذي نتكلم به قد يحمل في طياته مغالطات عدة. ولن يتخيل المرء سطحية طرحه إلا بتأمل تلك المغالطات جيداً. وحبذا لو كانت تلك المغالطات مكتوبة في قائمة مطولة أو كتاب.
من تلك الهفوات مغالطة التعميم المتسرع (hasty generalization)؛ كمن يكرمه رجل تركي، فيقول: الأتراك كلهم كرماء. أو يصدمه عربي بشدة بخله، فينعت معاشر العرب بالبخل. وليس كل تعميم منبوذ. ففي عالم البحث العلمي، إذا خطى الباحثون خطوات كمية معينة من وجهة نظر الإحصائيين، صار يمكن تعميم نتائجهم على مجتمع الدراسة أو الشعب أو القرية أو قطاع عريض من الناس. غير أن هناك صوراً سلبية كثيرة للتعميم، مثل من يقول: إن كل من يتحدث عن القيم هو في الواقع يعاني من عقدة نقص القيم!
وهناك أيضاً مغالطة «رجل القش»، وهي محاولة مقصودة لتحريف كلام المتحدث، بهدف تسطيحه أو تشويهه. وأحياناً، يُنسَب إليه كذباً ما لم يتفوه به، إمعاناً في إظهار هشاشة طرحه. هذه المغالطة هي مثل من يقول: إن من ارتكب تلك الأعمال الإجرامية الدموية يعتنقون الديانة الفلانية. فيأتي المستمع فيقول: إذن، أنت تقصد أن على تلك الدولة أن تمنع دخول كل أتباع هذه الديانة!
مغالطة «رجل القش» (strawman fallacy) تعد من أكثر الأنواع شيوعاً، وقد أحسنت دار «شفق» بطرح كتاب جديد يحمل عنوان «رجل القش»، وذلك لأن مكتباتنا تكاد تخلو من كتب من هذا النوع. وقد شرعت فعلياً في تأليف كتاب مماثل، قبل سنوات عدة، إلا أنني انشغلت عن تكملته. ويبدو أنني سأتراجع عن نشره بعد أن أجاد المؤلف يوسف صامت بوحايك في كتابه الجميل الذي أهداني إياه صاحب دار النشر الصديق د. ساجد العبدلي.
وقد كتبت مقالات كثيرة عن المغالطات تستحق التأمل، لكونها منتشرة بكثرة في حواراتنا، مثل: «السؤال الملغوم»، و«شخصنة الحوار»، و«الاحتكام إلى العاطفة»، و«تأثير الهالة»، و«الانحياز الإدراكي»، وغيرها. وقد ضم كتاب دار «شفق» نحو 81 مغالطة تستحق أن تدرس وتنشر على أوسع نطاق، وذلك لشح الكتب العربية التي تتناول هذه الأمور المنسية.
وكمهتم بالحوار وفنونه، أرى أن مشكلنا تكمن في عدم الانتباه إلى مزالق نقع فيها، فتوتر أجواء النقاش، ونبتعد بسببها عن جادة الموضوعية، واحترام المتحدث ورأيه. وما فكرة القش والتعميم والعاطفة والشخصنة إلا صور من صور النقاش غير الموضوعي.
[email protected]