مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

العالم في حقيبة بومبيو

في الوقت الذي يعيش فيه الشرق الأوسط أعلى درجات الغليان، يأتي وزير الخارجية الأميركي بومبيو إلى المنطقة حاملاً معه حقيبة الحلول، وتصحيح أخطاء الإدارة السابقة، من خلال الانطلاقات الجديدة بعدة اقتراحات وعقد مؤتمر في بولندا الشهر المقبل، يبحث مستقبل الشرق الأوسط والأوضاع الأمنية، ومن الواضح أن إيران تشعر بالخطر من اضطرارها صاغرة إلى التفاوض في المؤتمرات مع القوى الغربية، لذلك استدعت سفير بولندا وأبلغته باحتجاج رسمي.
الواقع، وبكل تأكيد، ينقل للعالم صدى الأزمات السياسية أكثر من الأحداث الأخرى، وكثير منها لا تجد التعبير المناسب لوقوعها. لا سيما في الوقت الذي أقيمت فيه تلك البناءات والمحاولات خلال الأزمات، إذ يتجلى التصعيد السياسي في كل مكان وأعظمه في منطقة الشرق الأوسط.
وهو بلا شك، بمثابة عدم انسجام متكامل بين الحلول والاتفاقات والأبعاد السياسية، بكل ما فيها من مفارقات، بداية من «داعش» المتمركز في أماكن الاقتتال إلى بطء تحرير الأراضي السورية والعراقية من الصراعات، ما يعكس أفقاً ضبابياً كئيباً على جهود السلام والاستفادة من الدروس القديمة، وبعدها عن الحلول المنطقية التي تتنوع بتنوع الزمان والمكان، وتنمو وتتزايد حسب الانتهاكات.
لقد فشلت سياسة التهدئة في المنطقة، وفي أماكن متعددة من العالم، عطفاً على التحديات الرئيسية التي تواجه الحكومات، ليست هذه تفاصيل، لكن لغتها واضحة، إن الأحداث أعمق وينبغي قراءة فصولها كاملة، لتكون جولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مدعاة إلى التفاؤل، نظراً لحقيبة الحلول التي يحملها، وعلينا مشاركته أيضاً يقينه بقدرة الولايات المتحدة وتركيا على التوصل إلى اتفاق لحماية المقاتلين الأكراد في سوريا، عقب انسحاب القوات الأميركية.
وهذا بالضبط ما تحاول أميركا تنفيذه مع تركيا، ولكن الانطباع العام يوحي بعدم جدية أنقرة، مما جعل ترمب يهدد «بتدمير اقتصادها إذا هاجمت أكراد سوريا» ، وتطويق للخطة المرسومة طرح إمكانية إرسال قوات تحل محلها، مع خفض التكاليف من المساعدات التي تنفقها على المناطق المحررة من «داعش»، فهل أميركا جادة في حل نزاعات الشرق الأوسط وتحجيم إيران فعلاً، أم هو مزيد من الاستنزاف لأنها لعبت دوراً في صناعة الكثير منها؟
وإنه لمن المعقول التساؤل عما إذا كان ترمب يخطط للانسحاب من الشرق الأوسط، أم هي مناورة لتجديد التزامها تجاه المنطقة وتجاه حلفائها، ومنح مزيد من الاحتمالات للدول الثمانية الواردة ضمن جولة بومبيو بتشكيل تحالف أمني تعمل واشنطن على إنشائه، ويعرف بتحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، وعلى نحو آخر يمكننا القول: هل الاستقرار في الشرق الأوسط هدف واشنطن؟ إذا أردنا أن يكون العالم أفقاً لكل الاعتبارات، يكون بمقتضاها العالم تأسيساً للذاتية المشتركة. وعنواناً لسياسة القوة العظمى والكيفية التي ستتعامل بها، فهل هذه الرحلة من أجل الزعامة السياسية العالمية وتصحيح أخطاء أوباما؟ أم لهدف ربط جأش المنطقة ضد إيران الداعم الأكبر للإرهاب في العالم، وتكوين تحالف يتصدى للعدوان الإيراني والإرهاب والتطرف في الدول العربية؟
وهكذا يمكن القول: إنه لن ينتهي الصراع قبل تحرير الشعوب المستعمرة في فلسطين وسوريا والعراق، ويتغلب الجميع على الانقسام أمام الهجمات الإرهابية التي تشنها أذناب إيران وميليشياتها، فقد خلقت صعوبات فظيعة لاستقرار المنطقة، ولكن ستتعطل هذه الآلة في نهاية المطاف، ويبقى الاستعراض الأميركي المتعاظم للقوة والسيطرة في عدة قواعد عسكرية في المنطقة.