د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا ومحاولات العودة إلى الماضي

محاولات البعض العودة للماضي وتجريب المجرب وانتظار نتائج أخرى، ستكون نوعاً من العبث، ولعل منها المبادرة التي سميت «إعادة استحقاق» ولاية العهد لمحمد الحسن الرضا، والمطالبة به ملكاً للبلاد، وإن كانت نوايا المبادرين قد تكون سليمة وطيبة، فإن الدول لا تبنى بالنوايا الطيبة أو حتى الخبيثة منها؛ بل بالأفعال، وليس ببعض المشاعر الجياشة للحقبة الملكية، التي من عاصرها كاملة قد رحل عن عالمنا، ولم يعد بيننا ليكون شاهداً عليها، وبالتالي من لا يزال يراهن على عودة الملكية، عبر هذا الشاب الوسيم، الذي لم يتولَّ أي منصب في حياته، قد يكون تجربة له في إدارة البلاد، لا يدرك التاريخ كاملاً، ففي أوج الملكية عام 1960، خطب إدريس السنوسي في الحكومة والشعب قائلاً: «قد بلغ السيل الزبى»، بعد أن استشرى الفساد في الحكومة، وبالتالي من عاصر الحقبة الملكية، لا ينفي وجود الفساد والمفسدين والفاسدين، وذلك باعتراف الملك إدريس نفسه، وبالتالي فإن الحديث عن الحقبة «الملكية الفاضلة» - رغم أن الحق يقال، إن إدريس السنوسي في شخصه كان ملكاً فاضلاً، لم يتردد في الحسم في محاربة الفساد والجريمة، حتى أنه أعدم أحد أقاربه عندما أقدم على جريمة قتل خادم الملك إدريس، وناظر الخاصة الملكية، على خلفية خلاف داخل العائلة السنوسية، وتم تنفيذ الحكم، على الرغم من أن القاتل هو ابن شقيق الملكة (فاطمة السنوسي) - ليس اليوم حديثاً عن الراحل إدريس ومحاسنه؛ بل هي محاولة للتمسح بعباءته، من دون تقديم أي مشروع يمكن أن يكون ضمانة للخروج من الأزمة التي تفاقمت، وعجزت الأمم المتحدة عن حلها، عبر مبعوثيها الخمسة، ومجلس الأمن بكامل الجالسين فيه.
تاريخ الملك إدريس السنوسي محبوب عند أغلب الليبيين، لكون الرجل كان زاهداً في الحكم، وسبق أن قدم تنازله عن العرش أكثر من مرة، وقبوله وتسليمه بالتغيير في ليبيا عندما كان في اليونان، ولم يطالب الملك إدريس - رحمه الله - طيلة سنوات المنفى، بالعودة إلى الملكية في ليبيا، ليطالب بها اليوم من هو في الترتيب الثالث من حيث الخلافة الافتراضية.
فالسيد محمد الحسن الرضا المهدي السنوسي، الذي يقول إنه «وريث» الملك الراحل إدريس السنوسي، في عرش ليبيا، ليس أحد أبنائه من صلبه، ولا إخوته، كما أن السيد محمد الرضا ليس هو الابن الأوحد للسيد الرضا الذي كان هو الآخر ولياً للعهد في ليبيا، وبالتالي فالسيد محمد السنوسي يقع في المرتبة الثالثة في ترتيب «الخلافة» المفترضة لعرش ليبيا، التي لم يعرفها محمد السنوسي، ولا وطئت قدمه أرضها منذ خروجه منها بعد انقلاب عام 1969، ولا يملك قرار العودة للملكية، التي جاءت أصلاً بتوافق وولادة عسيرة وسجال طويل، كان الرافض فيها يجاهر برفضه، من القبول بإدريس السنوسي ملكاً على ليبيا الموحدة، وخاصة أن إدريس كان أميراً على برقة، وليس على عموم ليبيا، التي تشكلت بقرار من الأمم المتحدة بتوحيد أقاليم ثلاثة، هي برقة وطرابلس وفزان.
السيد محمد الحسن الرضا، المقيم خارج ليبيا، لا أعتقد أنه يمتلك مفتاح الحل، في بلد تغير فيه الكثير لأكثر من نصف قرن عن تاريخ حكم عمه إدريس السنوسي، ناهيك عن افتقار السيد الرضا لرؤية حل واضحة للأزمة الليبية، تكون محل إجماع ليبي.
المطالبة بعودة الملكية ليست حكراً على بعض ناشطات المجتمع المدني؛ بل كشفت جريدة «لا برس» الإيطالية أنه يجري تشكيل «لوبي دولي» لتمكين محمد السنوسي من استعادة عرش إدريس السنوسي، رغم نفي محمد السنوسي لوجود مثل هذا اللوبي الدولي، الذي يعتبر تدخلاً خارجياً في الشأن الليبي، ويعتبر استقواء بالخارج، إن صدق خبر «لا برس» الإيطالية.
الواقع يؤكد أن ليبيا لن تعود ملكية ولا حتى جماهيرية، ولن تكون ولاية لـ«داعش»، وإذا رغب السيد محمد الرضا السنوسي، أو حتى السيد سيف الإسلام معمر القذافي، فعليهم التوجه إلى صندوق الانتخابات، وهو الفيصل في تحديد حاكم ليبيا، تحت قبة البرلمان والدولة المدنية الديمقراطية، فليبيا ليست تركة أو ميراثاً تتنازعه بعض العائلات، إنها أكبر من ذلك بكثير، وستنهض من أزمتها، بعزم رجال الجيش الوطني، الذين منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وخاصة هي الآن تحقق مراحل متقدمة في التخلص من الإرهاب والإرهابيين، بعد استعادة الجيش الليبي لزمام المبادرة، والتخلص من كثير من جيوب «داعش» وأخواته، وملاحقة باقي فلول ومطاريد القاعدة و«داعش»، بذرة «الإخوان» في العالم.