آدم مينتر
TT

الصين والفوز بسباق الفضاء

نجحت الصين يوم الأربعاء الماضي في الهبوط بمركبتها الفضائية «تشنغ 4» على الجانب المظلم من سطح القمر، في إنجاز تكنولوجي مذهل ينبئ ببروز الصين كقوة جديدة في عالم الفضاء.
وقد دفع زهو الانتصار بعض العلماء الصينيين إلى حد الشماتة، وانعكس ذلك على تصريحات أدلوا بها إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، وصلت بأحدهم إلى القول بأن «الصينيين قد فعلوا ما لم يجرؤ الأميركيون على المحاولة فيه».
إن حالة الصلف التي شاهدناها تعكس روح المنافسة التي يعيشها برنامج الفضاء الصيني. فالصين واضحة في أنها لا تتطلع إلى توسيع نطاق وحدود المعرفة البشرية فحسب، بل تسعى لأن تحل محل الولايات المتحدة كقوة عظمى مهيمنة على الفضاء. وإذا كنا لا نزال في الستينات من القرن الماضي، عندما كانت وكالتا الفضاء الأميركية والسوفياتية تتنافسان بشراسة مع بعضهما بعضاً، لكانت الصين بإمكانياتها الكبيرة وبتركيزها ونهجها المنظم لغزو الفضاء قد فازت بالسباق. لكن الواقع يقول إنه بفضل تطور صناعة الفضاء الأميركية فإن الصين على يقين من أنها ستكون الوصيفة لعقود قادمة.
لا يعني هذا أن الجمهورية الشعبية لا تحرز تقدماً في محاولاتها لاستعمار القمر لتحوله إلى فضائها الخارجي ليعادل البؤر الاستيطانية في بحر جنوب الصين - الهدف المنشود للي بيجيان، رئيس برنامج استكشاف القمر.
وتعتزم الصين خلال العقد المقبل إطلاق محطة فضائية لاستكشاف كوكبي المريخ والمشتري، وكذلك إرسال بعثات لدراسة الكويكبات، وفي الوقت نفسه مواصلة تطوير مساعي إعادة استخدام الصواريخ وغيرها من المركبات لتعزيز غزوها للفضاء. وتستهدف الصين إرسال بعثة بشرية إلى الفضاء بحلول عام 2030، وكذلك إرسال مستعمرة دائمة إلى هناك بحلول منتصف القرن الحالي.
وعلى النقيض، فإن طموحات وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» تبدو محدودة. فرواد الفضاء الأميركيين لم يغادروا المدار الأرضي المنخفض منذ آخر مرة هبطت فيها المركبة «أبولو» على سطح القمر عام 1972، فيما فقدت الولايات المتحدة قدرتها على الطيران إلى «محطة الفضاء الدولية» التي أنشئت من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، بعدما أحيلت مركبة «سبيس شاتل» إلى التقاعد.
غالباً ما غير الرؤساء الجدد من أولويات الفضاء مما أجبر وكالة «ناسا» على إلغاء أو إعادة التفكير في المهام بعد التخطيط لها لسنوات طويلة. الأسوأ من ذلك أن الكثير من أعضاء الكونغرس ما زالوا ينظرون إلى «ناسا» باعتبارها أداة لإهدار الإنفاق الحكومي في الدوائر الانتخابية ذات الارتباطات السياسية.
لكن ذلك لا يصف حال برنامج الفضاء الأميركي بالكامل، فمنذ منتصف عام 2000 عندما سمح الكونغرس لوكالة «ناسا» بالبدء في تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أصبح دور الوكالة الأهم هو الاستثمار وتقديم المشورة لشركات الفضاء الخاصة. وفي حين ينصب أغلب الاهتمام على مؤسسة «إلون ماسك لتكنولوجيا استكشاف الفضاء»، التي يشار إليها اختصارا باسم «سبيس إكس»، فإن صناعة الفضاء التجارية تستوعب حاليا عشرات الشركات في مجالات تتنوع ما بين الأقمار الصناعية الصغيرة واستكشاف سطح القمر. وكانت النتائج مذهلة، فبحسب تقديرات ناسا، فإن التكلفة التي تتحملها شركة «سبيس إكس» لتطوير عمودها الفقري المتمثل في مركبة الفضاء «فالكون 9» كانت ستقل عن 10 في المائة من تكلفتها لو أن وكالة «ناسا» قد نفذت المشروع ذاته.
غير أن دعم «ناسا» بدأ يؤتي ثماره في مناطق أخرى أيضاً. ففي الأسابيع المقبلة من المقرر أن تطلق شركة «سبيس إكس» رحلات اختبار مدارية لمركبتها «كرو دراغون» المصممة لإرسال رواد فضاء أميركيين إلى «محطة الفضاء الدولية».
وهناك شركتان أخريان على الأقل تتطلعان لإطلاق محطات فضاء تجارية، حيث تسعى شركة «جيف بيزوس بلو أوريغين» لإطلاق مركبة فضاء من دون رواد إلى سطح القمر عام 2023 (على غرار أهداف ناسا فوق سطح القمر). وتسعى شركة «سبيس إكس» إلى تصميم مركبة أكبر لحمل السياح في رحلة حول القمر في العام نفسه. ولرغبتها في تشجيع الاستكشافات على سطح القمر، أعلنت وكالة «ناسا» عن شراكتها مع تسع شركات تعمل على تطوير عمليات الهبوط على سطح القمر. ومن المقرر انطلاق المهمات الأولى خلال العام الحالي.
بالطبع فإن الاستكشافات الفضائية لا تتعلق فقط بجني المال أو استعمار القمر، حيث إن العلم يظل هو الدافع الأهم، وهنا نقول إن الولايات المتحدة تظل في الصدارة بلا منازع. الأسبوع الحالي، أكمل المجس «نيو هورايزون» أبعد رحلة استكشافية عن كوكب الأرض في التاريخ (لاستكشاف صخرة صغيرة تبعد 4 مليارات ميل عن كوكب الأرض). وأطلقت «ناسا» أيضا مهمة استكشافية إلى كوكب المشتري، وأربع مهام إلى المريخ، ومجساً شمسياً، بالإضافة إلى مركبتين دخلتا الفضاء بين النجوم.
لا الصين ولا أي دولة أخرى لديها خطة للمنافسة مع هذا السجل الحافل من الإنجازات، ولا الصين ولا غيرها تملك العلم ولا الخبرة الهندسية لإنجاز ذلك. وما دام أن الولايات المتحدة تواصل التركيز على تعزيز صناعة الفضاء التجارية، وتستمر في تمويل البرامج العلمية المتطورة، فلن يكون هناك مجال للخوف من أن يسبقها أحد. والآن فإن الفرصة مواتية للولايات المتحدة، لاجتذاب علماء الفضاء وغيرهم من المواهب الحريصة على الاستفادة من إحدى أكثر الصناعات المبشرة، وأكثرها نمواً في القرن الحادي والعشرين.
ومن الواضح أن الصين لا تفكر في الرحلات التجارية لانشغالها بتطوير مستوى صناعتها، لكن هيمنة القطاع الحكومي الصيني يضمن أن أصحاب المشاريع سيقضون وقتاً كبيراً في السياسة بطول الوقت الذي سيقضونه في تصميم أنظمة الدفع. ولذلك أقول: «لو أننا في سباق للوصول إلى النجوم، فإن الولايات المتحدة تظل الحصان الأفضل للرهان».
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»