حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

أخبار الأثر الصيني!

انهارت الأسواق المالية الأميركية بسبب تقرير شركة آبل العملاقة الذي وضح أن المبيعات «الحقيقية» ستكون منخفضة بأكثر من خمسة مليارات من الدولارات الأميركية عما كان مقدراً من قبل، ووضحت الشركة أن السبب في ذلك هو الهبوط الحاد في مبيعات الشركة في الصين، خصوصاً في قطاع «الآيفون» والهواتف المحمولة، وتحول نسبة كبيرة من الزبائن في الصين إلى المنتجات الصينية، وأهمها هواتف «هواوي» وغيرها.
هذا الأمر أدى إلى عاصفة من الغضب بحق تيم كوك رئيس شركة آبل التي تطالبه بالرحيل، لأنه ومنذ سنوات غير قليلة بعد رحيل ستيف غوبز مؤسس الشركة وصاحب رؤية الشركة ووراء اختراعاتها لا يزال يدير «آبل» بمنتج واحد فقط هو الآيفون، والذي لا يزال يتم «عصره» لآخر قطرة وتم عمل «كل ما يمكن عمله» بحيث تطور إلى درجة هائلة، ولم يعد بالتالي هناك الحاجة للتغيير التقليدي كما كانت، وبدأ الزبون الصيني يتجه لشركات من بلاده التي لديها كم من المنتجات الأكثر إثارة وتنوعاً.
لم يكن هذا الخبر الوحيد الذي جاء بالبصمة الصينية عليه لتوضيح الأثر الصيني المتعاظم، فهناك أيضاً هبوط المركبة الفضائية الصينية على الجانب المظلم من القمر لأول مرة، وسيكون ذلك مقدمة لإرسال طاقم فضائي بشري من الصين للهبوط على سطح القمر في محاولة لإرساء مستعمرة بشرية على الكوكب. وبعدها بأيام أطلقت الصين خبراً عن تجربتها لأقوى قنبلة تقليدية تفوق ما لدى الولايات المتحدة ولدى روسيا وغيرهما، وذلك في رسالة للعالم بأن الصين جادة في «فرد» عضلاتها العسكرية بشكل عملي، وعليه لم يكن من باب الصدفة تصريح الرئيس الصيني بأنه «لا يمكن أبداً استبعاد الخيار العسكري لاستعادة وضم تايوان إلى الوطن الأم» وهي لهجة تصعيدية حادة وغير مسبوقة أرسلت رسالة لأهل تايوان والمعسكر الغربي المؤيد لها، والتهديد في حالة حدوثه وتحوله لأمر واقع سيقضي على إحدى أهم التجارب الديمقراطية الناجحة والاقتصاد الليبرالي الرأسمالي الفعال في القارة الآسيوية على مدى أكثر من خمسين عاماً.
الصين تتبع سياسة النفس الطويل، تستثمر في شركات لافتة في مجالات مختلفة لضمان التأثير الاقتصادي وبالتالي السياسي، وهذا التأثير هو نفسه الذي يولد سكوتاً وصمتاً مريباً إزاء ما تقوم الصين به ضد الجاليات المسلمة من تجاوزات فيها كل ما يمكن وصفه من عنف وقمع، ولكن لا أحد يجرؤ على النقد خوفاً من أن يحرم من الفردوس الاستثماري الصيني.
شركة «ستاربكس» التي تفتح مقهى جديداً لها كل خمس عشرة ساعة لديها اهتمام عظيم بالعلاقة مع الصين، ولكنها مثل غيرها تبدي قلقاً عظيماً من ارتفاع حدة «الاقتتال» في الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، والتي يعتقد بعض المسؤولين والمحللين أنها هي «المسؤولة» عن سقوط مبيعات «آبل» في الصين ويدعمون هذا الرأي بالاستشهاد بحادثة عقاب موظفين في شركة «هواوي» لأنهما غردا في رأس السنة الميلادية الجديدة عن طريق جهاز «آيفون» وليس جهاز «هواوي»، وذلك في رسالة واضحة بأن الولاء «التجاري» سيكون من باب الولاء «الوطني» ولا مكان للخيار «الشخصي» في ذلك الأمر.
سلسلة من الأخبار من الممكن ربط النقاط بعضها ببعض والوصول إلى «الغوريلا» الصينية التي في الغرفة تزداد قوة ولكنها غوريلا وليست ثعلباً، وهذا ما يراهن عليه الغرب وأميركا على اعتبار أن لديهم حتى الآن اليد العليا في براءات الاختراع والذكاء الصناعي والتعليم العالي.