مع انتهاء مجريات الخروج البريطاني فعليا، سوف يكون هناك فيلق كبير من السياسيين البريطانيين الذين تتعرض حياتهم وطموحاتهم المهنية للانهيار على طول الطريق. ومعظمهم لن يغادر إحدى فئتين أساسيتين: أولئك الذين بذلوا الجهود لأجل نتيجة لم يكونوا على استعداد تام لها وخرجت عن نطاق سيطرتهم، وأولئك الذين وضعوا سياسات الأحزاب فوق المصالح الوطنية العليا.
فإن كتبت له النجاة حتى العام القادم، فربما يتحول كير ستارمر من حزب العمال إلى أحد أولئك الساسة النادرين الحاصلين على أفضل أنواع البريكست. ولن يبعث هذا الأمر بمزيد من الارتياح لديه بحال، رغم كل شيء. فكما يقول لأصدقائه، حتى وإن جعله الأمر أكثر السياسيين المعارضين تداولا بعد جيريمي كوربين رئيس الحزب، فإن هذه النتيجة لم تكن أبدا من بين أهدافه أو أحلامه.
ولا يعني هذا أن كير ستارمر ينقصه الطموح السياسي. فإن خلاف ذلك كان واضحا للغاية منذ اللحظة التي تخلى فيها عن مهنة المحاماة ونشاطه في مجال حقوق الإنسان وأعلن عن ترشحه للحصول على عضوية البرلمان.
وتتذكر تيوليب صديق، النائبة البرلمانية من دائرة انتخابية مجاورة، الاجتماع مع ستارمر للمرة الأولى عندما كان يسعى للحصول على نصيحتها، وربما مباركتها، بشأن الترشح للبرلمان. ولقد أثار إعجابها لدفاعه عن قيم حزب العمال، وكذلك تصميمه الواضح على الوفاء بوعده لزوجته بالوجود قدر الإمكان لرعاية الأطفال مما كان عليه الأمر في وظيفته السابقة بصفته كبير المدعين العامين في بريطانيا. وقالت السيدة صديق: «لقد وجدته مناصرا حقيقيا لحقوق المرأة في البلاد».
وفي الاجتماع التالي فيما بينهما، كان ستارمر يدون ملاحظات السيدة صديق، الناشطة الحزبية منذ فترة المراهقة، بشأن كيفية تجاوز مرحلة اختيار الحزب الحاسمة كي يصبح عضوا في البرلمان. وأخبرته، على سبيل المثال، ألا يعتبر أصوات الجالية العمالية البنغالية في البلاد أمرا مسلما به في الانتخابات (فلقد نشأت في لندن، ولكن أصولها ترجع إلى بنغلاديش). ولقد حضر بنفسه فعاليات الجالية العمالية البنغالية وتحدث إلى وسائل الإعلام البنغالية، وسافر إلى بنغلاديش نفسها. وتم انتخابه فعليا في عام 2015.
وقالت السيدة صديق: «لقد كان واضحا منذ البداية أن طموحات كير لا حدود لها. وعندما تتحدث إليه ينالك انطباع بأن ذلك الرجل لن يجلس في المقاعد الخلفية أبدا». وهو لم يفعل ذلك قط.
وفي حين أن السيد صديق، التي تتحدر من دائرة انتخابية لا تزال تحظى بكثير من التأييد، فإنها استقالت من منصبها في يناير (كانون الثاني) لعام 2017 في معارضة واضحة لقرار حزب العمال بتفعيل المادة رقم 50. مما يعني بدء العد التنازلي لتفعيل الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. تم استغلال ستارمر في قيادة سياسة لم يكن متفقا معها عليها تماما.
ومن خلال تعيينه وزيرا للبريكست في حكومة الظل العمالية، أشار أحد الصحافيين إلى أن حزب العمال قد جلب سلاحا مدمرا إلى معركة ببنادق المياه! ولقد كان تأثير كير ستارمر قويا وفوريا.
ودعا الحكومة إلى الإفصاح عن خطتها للبريكست، ولقد فعلت. ووضع ستة اختبارات ينبغي على أي اتفاقية خاصة بالبريكست أن تجتازها - أي المعايير التي لن تتمكن الحكومة أبدا من محاكاتها - الأمر الذي يمنح المعارضة المساحة المطلوبة لرفض كل ما تتمخض عنه المفاوضات الحكومية ووصمها بالفشل الذريع.
ولقد كان له دور أساسي في نشر المشورة القانونية للحكومة البريطانية، كما أنه أيد تعديل عضو حزب المحافظين دومينيك غريف لضمان الحفاظ على رأي البرلمان في تحديد الخطوات الواجب اتخاذها إذا ما فشلت صفقة السيدة تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي.
ونجح في إحراز الانتصارات البرلمانية لصالح حزب العمال، غير أنه وجد نفسه من حين لآخر على خلاف واضح مع جيريمي كوربين زعيم الحزب، وهو ليس من المعجبين بالاتحاد الأوروبي ولم يكلف نفسه عناء تنظيم الحملات الكبيرة للبقاء ضمن عضويته.
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، سعى كوربين وحلفاؤه إلى التخلي عن خطة تهدف إلى بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الجمركي الأوروبي، الأمر الذي كان سيخلف مشكلة كبيرة وشائكة متمثلة في الحدود الإيرلندية من دون حل. وبصفته مستشارا سابقا في مجال حقوق الإنسان لدى مجلس شرطة آيرلندا الشمالية، يدرك ستارمر جيدا أهمية المحافظة على اتفاقية «غوود فرايداي» التي أسفرت عن نهاية النزاع القائم بشأن آيرلندا الشمالية.
وفي أثناء مؤتمر حزب العمال بليفربول، دخل ستارمر في جدال استمر قرابة ست ساعات كاملة مع ممثلي الحزب الذين يحاولون الوصول إلى موقف موحد من الاستفتاء الثاني على البريكست، على الرغم من معارضة جيريمي كوربين لذلك. وفي نهاية المطاف، تقرر أن حزب العمال سوف يسعى أولا إلى إجراء انتخابات عامة، وفي حالة الفشل في ذلك، فسوف يساند الحزب الاستفتاء الثاني المزمع عقده.
وأضاف ستارمر، رغم كل شيء، لمسة شخصية لتلك السياسة. ولقد أدرج في خطابه الحزبي عبارة تقول إن خيار «البقاء» سوف يخضع للاقتراع إن بلغ مرحلة الاستفتاء. وانفجرت قاعة المؤتمر بتصفيق حاد. وبدا السيد كوربين ومستشار حكومة الظل جون ماكدونيل في حالة غير مسرورة بذلك.
وقال جوليون موغام، المحامي الذي أدت قضيته المرفوعة أمام محكمة العدل الأوروبية إلى إصدار حكم يقضي بإمكانية أن تلغي بريطانيا المادة 50 من الميثاق الأوروبي من جانب واحد، وبالتالي إلغاء البريكست تماما: «من الواضح تماما لديَّ وبلا أدنى شك أن مصالح حزب العمال من هذه العملية تتعلق بالمصالح السياسية الحزبية الضيقة. وأعتقد أن هذا من الأمور العسيرة للغاية على السيد ستارمر. كما أعتقد أن هذا يظهر جلياً في بعض الأحيان».
- بالاتفاق مع بلومبرغ
8:2 دقيقه
TT
هل يمكن لأي سياسي الحصول على «بريكست» جيد؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة