سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

مدن الإعلام

إلى كم سيارة سوف تتسع الرياض في نهاية المطاف؟ الجواب الوحيد، إلى ما شاء الله. أما الظاهر فمئات الورش ومئات التحويلات وعشرات الجسور المعلقة، وأما الباطن، فشبكة مترو تمتد تحت هذه المدينة التي أصبحت مساحتها ألفاً في ألف بالكيلومترات.
تسلمت الرياض أول من أمس، مفتاح مدينة العام الإعلامية من بغداد. والانتقال بين المدن العربية صار انتقالاً من حال إلى حال. هنا المشهد المتأتي عن مائة عام من الاستمرارية والاستقرار، وهنا مائة عام من صرف المال على الحروب والانقلابات والعقوبات والصراعات في كل اتجاه: حرب على إيران، وغزو للكويت، وعداء قائم بين بعثَي سوريا والعراق، لم يعرف في حدته إلا بغض العباسيين والأمويين.
للرياض ما تورِّث لا ما ترث. وفيما تمضي في شق طريق البناء نحو 2030، كم يُحزن أن عدداً من عواصم العرب يبحث عن حكومة. أو شبه حكومة. وبينما كانت هناك أبواق مجيّشة ضد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حمل نفسه إلى قمة العشرين بين زعماء العالم.
الرسالة واضحة، السعودية في مواجهة سياسية كبرى، لكنها ليست في أزمة قيادة.
مؤتمر وزراء الإعلام في الرياض كان مشهداً آخر من معالم الاستمرارية في عالم متهالك. صحيح أنه موعد سنوي روتيني، لكن أجواء العالم ليست كذلك. وقد اختصر المشهد عنوان ضخم في إحدى صحف الرياض بالأحمر العريض: المملكة تتصدى! أي أنها تنتقل من التروي إلى التحدي. فقد حوَّلتها الغايات والغابات السياسية إلى قضية يومية مثل مفاوضات نزع السلاح.
دفعت المساجلات الإعلامية في واشنطن وإسطنبول بجميع القضايا إلى الاستبداع: المسألة السورية وموضوع القدس وحرب اليمن. بل حتى جدول قمة العشرين لم يعش منه بند واحد من أهم قضايا استراتيجية يتداولها قادة العالم.
لكي نعود من الرياض إلى بيروت لا بد للطائرة أن تتجه أولاً إلى مصر، ثم الإسكندرية ثم تحلّق فوق المتوسط نحو بيروت. هذه هي الخريطة السياسية لهذا العالم المشتت اليوم. الأجواء العربية مثل الأرض العربية مغلقة ومتعبة. وفيما قدم الدكتور عواد العواد أرقى وأحدث صورة للإعلام ومسيرته، كانت الفرق الإعلامية المسلحة لا تزال تهتف من مكبرات الصوت: عليهم!
لن نخرج من هذا الوادي المظلم إلا إذا أدرك الإعلام أنه مثل المدرسة والجامعة مسؤول عن النور والظلمة في حياة الأجيال. كثير من الإعلاميين يطالبون بتطوير النظام التعليمي. الإعلام أولاً.