د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

القدس ليست أورشليم

«ليس من حق الدول الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل»... كلمات للرئيس الماليزي مهاتير بعد حمّى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فمن أميركا إلى البرازيل وأخيراً أستراليا، تطوب القدس عاصمة «لإسرائيل»، القدس المدينة العربية تاريخاً وجغرافياً، التي ستبقى كذلك، وليست عقاراً ليطوبها البعض عاصمة لكيان يحتل بلداً عربياً منذ سنين، ويسعى إلى طمس جميع معالمه العربية والإسلامية والمسيحية ولم تنجُ منه حتى مقابر الموتى.
حمى قرارات الاعتراف بالقدس عاصمة لكيان محتل لأرض عربية التاريخ والجغرافيا، تعتبر قرارات منحازة، «ما يمثل انحيازاً سافراً إلى مواقف وسياسات الاحتلال الإسرائيلي، وتشجيعاً لممارساته وعدوانه المتواصل على الشعب الفلسطيني»، كما في بيان جامعة الدول العربية، بل ويجعل صاحبه جزءاً من الأزمة لا جزءاً من الحل، وسيعقد الوضع ويعتبر بمثابة إعلان عن نسف أي جهد للتسوية، في ظل غياب أي تسوية حقيقية للسلام والتعايش بين الأطراف، التي تتشارك تراث وتاريخ المدينة لآلاف السنين، منذ أن وضع آدم عليه السلام أساس المسجد الأقصى بعد المسجد الحرام، بأربعين سنة، وهي الأرض المقدسة، كما هو مبين في كتب التراث.
القدس ليست أورشليم لتكون عاصمة لإسرائيل، فالقدس التي تسمى بالعبرانية «يرشلم» ونعربها نحن العرب فنقول أورشليم، التي هي في الواقع ليست القدس، بل يرى بعض المؤرخين أنها لا تقع في فلسطين ولا علاقة لها بها، وأن ثمة خلطاً متعمداً بين الاسمين «القدش» أو القدس وأورشليم، وأنهما ليسا لمكان واحد، ولكن القدس العربية الإسلامية بتاريخها الثابت حيث المسجد الأقصى مسرى نبي الرحمة، هي التي تتعرض اليوم للنهب السياسي بعد أن تعرضت للنهب التاريخي والجغرافي بأكذوبة أن المسجد بني على خراب الهيكل في جبل الهيكل، ويطلقون على هضبة المسجد الأقصى «هارهاباييت» أي جبل الهيكل، في حين الحقيقة مخالفة لرواية أحبار اليهود، فالهيكل المزعوم سبق أن هدم مرتين، وفي كلتيهما لم يكن هادموه من العرب أو المسلمين، إنما كانوا وثنيين حين كان الرومان وثنيين، فهدم تيطس الروماني الهيكل، ولكن الصهيونية كعادتها تحرف الكلم عن موضعه، في لغة نسبت للرب زوراً «تأمر بطرد سكان الأرض الأصليين» جماعات متطرفة تؤمن بأن جبل الهيكل هو قلب الشعب.
القرار الأميركي وعقبه الأسترالي الأخير ستكون له تبعات خطيرة، وسيمهد الطريق للجماعات المتطرفة للتحرك بحرية تجاه المسجد الأقصى، والتحرش بالمسلمين والعرب، ولعل محاولات الهدم عند عتبات المسجد الأقصى، وهدم باب المغاربة والاستمرار في الحفر تحت أساسات المسجد الأقصى، جراء مناخ عنصري، جاءت نتاج منهاج محرف يأمر بالسلب والنهب، منهاج يحاول أن يجعل من الاغتصاب حقاً مكتسباً، ولن تجدي نفعاً في أحقية المسلمين في القدس.
قرار نقل السفارات للقدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل يعتبر ضرباً للسلام واستباقا لأية تسوية، وفيه تجاهل ما جاء في إنجيل متى 5:3 «طوبى لصانعي السلام»، لأن هذا لن يخدم السلام بأي شكل، بل سيدفع نحو مزيد من الغضب والعنف، فالمدينة تحمل تراثاً عالمياً للديانات السماوية، وهي مهبط للوحي وملتقى للرسل والأنبياء، وليست خاصة الإسرائيليين.
أورشليم لن تبنى عاصمة لإسرائيل بالظلم، مكان القدس، فالقدس ستبقى مدينة السلام رغم الخذلان المتكرر.