سيد أحمد غزالي
رئيس وزراء الجزائر الأسبق رئيس لجنة التضامن العربي الإسلامي مع المقاومة الإيرانية
TT

نظام ولاية الفقيه كيان واحد في الإرهاب

بعد فترة من شبه التمهّل عادت من جديد العمليات الإرهابية خارج إيران ضد المعارضين الإيرانيين. ولم تكن تلك الفترة وليدة تغيير ما في طبيعة نظام طهران، بل كانت نتيجة موقف حازم نسبياً من طرف الدول الأوروبية بعد إدانة بعض المسؤولين بمحكمة الجنايات في ألمانيا بسبب سلسلة اغتيالات للأكراد الإيرانيين في برلين. الحكم صدر عام 1997، وبعده استدعت الدول الأوروبية سفراءها وحذّرت طهران من تكرار العمليات الإرهابية على الأراضي الأوروبية.
منذ ذلك العام وحتى الآن لم يتوقف النظام الحاكم في طهران عن تنفيذ العمليات الإرهابية في مختلف الدول ضد المعارضين الإيرانيين، خصوصاً في العراق؛ حيث نفّذت عشرات العمليات ضد «مجاهدين خلق» قبل سقوط النظام العراقي السابق، وخلال الأعوام الأخيرة ضد الأكراد في كردستان العراق، وكذلك في الدول الأخرى، كما خطّط لاغتيال السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة - وزير الخارجية الحالي عادل الجبير - في عام 2011... ناهيك بآلاف عمليات القتل التي ارتكبت خلال الأعوام الأخيرة في العراق وسوريا واليمن ومختلف دول العالم.
لكن الظاهرة الجديدة في إرهاب الدولة الإيراني هي لجوؤه من جديد إلى العمليات الإرهابية في أوروبا؛ ففي شهر مارس (آذار) من هذا العام، جرى التخطيط لتفجير في عاصمة ألبانيا كان يستهدف «مجاهدين خلق» وهم يحتفلون برأس السنة الإيرانية الجديدة. بعد كشف هذه الخطة وفشلها، التي كانت الخطة «ألف»، في ضرب المقاومة الإيرانية، أعدّ العدّة للخطة «باء» وارتكاب تفجير في «المؤتمر العام للمقاومة الإيرانية» بباريس في 30 (يونيو) حزيران هذا العام. لكن هذه الخطة أيضاً فشلت بفعل التعاون بين سلطات دول أوروبية عدة، وتم القبض على 4 أشخاص من المتورطين. وأعلن رسمياً في العاصمة الألمانية أن عرّاب تلك الخطة دبلوماسي رسمي معتمد لدى النمسا - اسمه أسد الله أسدي - ألقي القبض عليه في ألمانيا ومن ثم تم تسليمه إلى السلطات القضائية في بلجيكا. والثلاثة الآخرون كانوا من مزدوجي الجنسية الإيرانية - البلجيكية. هؤلاء الأربعة ما زالوا في السجن وقيد التحقيق. وفي المجال نفسه؛ تم طرد دبلوماسي إيراني آخر من سفارة إيران في فرنسا. والمهم في هذه العملية استخدام خلية نائمة زرعها النظام في بلجيكا منذ أعوام.
وعندما فشلت هذه الخطة في فرنسا التجأوا إلى تنفيذ الخطة «ج» بتحريك خلية نائمة في الولايات المتحدة، مكوّنة من شخصين شاركا في اجتماعات المقاومة وأرسلا صوراً من هذه الاجتماعات للشخصيات المشاركة إلى وزارة المخابرات الإيرانية.
قبل هذه المخططات الثلاثة قتل معارضون إيرانيون في تركيا وهولندا. وبعد هذه العمليات قاموا بالتخطيط لتنفيذ عملية أخرى في الدنمارك. والعميل الذي كان بصدد تنفيذ هذه الجريمة أيضاً كان مزدوج الجنسية الإيرانية - النرويجية.
بذلك كان 7 بلدان أوروبية منذ عام ساحة مخططات إرهاب الدولة الإيراني؛ وهي: فرنسا، وألمانيا، وهولندا، والدنمارك، وبلجيكا، ولوكسمبورغ، والنرويج.
سبب العودة إلى الإرهاب هو التدهور الخطير في ظروف المعيشة وما نتج عنه من غضب الشعب في عشرات المدن الإيرانية، وشعارات سياسية استهدفت أساس النظام الذي لم يستطع السيطرة على الوضع منذ ذلك الوقت رغم استخدام مختلف أنواع القمع... والاحتجاجات مستمرة حتى هذه الأيام. ولم يجد النظام طريقة للتعامل مع هذا الغضب الشعبي سوى تصعيد الحروب النفسية والدعائية ضد منظمة «مجاهدين خلق» التي تقف خلف هذه الاحتجاجات والانتفاضات؛ وهذا ما اعترف به أغلب المسؤولين الإيرانيين.
خلال الأعوام السابقة عندما كان النظام يواجه انتفاضات ومشكلات مستعصية في الداخل، كما حدث في انتفاضة 2009، كان يصبّ جام غضبه على «مجاهدين خلق» في مدينة «أشرف» أو مخيم «ليبرتي» في العراق، لكن بعد خروجهم آمنين من العراق لا يجد النظام مخرجاً سوى اللجوء إلى الإرهاب في الخارج؛ وفي أوروبا بشكل خاص.
وهنا يبرز سؤال عن الإجراءات التي اتخذها الأوروبيون تجاه هذه الحالة، وإلى أي حد قام الأوروبيون بهذا القبول الضمني لانتهاك سيادتهم من قبل نظام يعدّ أول داعم لإرهاب الدولة في العالم؟ حتى الآن لم نلمس ردّاً متلائماً مع التحدّي الذي يمثّله إرهاب نظام طهران في أوروبا سوى بعض الإدانات. نعرف أن 150 نائباً من البرلمان الأوروبي طالبوا الدول الأعضاء بالتركيز على انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، والرد على العمليات الإرهابية للنظام الإيراني في أوروبا.
أساس المشكلة هو أن الأوروبيين يحاولون ويحبّذون رسم خط فارق بين الجناحين المتصارعين في الحكم بشأن الإرهاب. فيقولون أحياناً إن المتشددين هم الذين يقفون خلف العمليات والمخططات الإرهابية. لكن النظام نفسه يقول إن جناحيه متكاملان في استراتيجية العنف والترهيب التي تشكل أسس معاملة نظام طهران مع كل من؛ شعبه، والبلدان الأخرى.
ويكفي أن ننظر إلى المخططات والعمليات الإرهابية الأخيرة لنجد أن وزارة المخابرات هي التي دبّرت وخططت ونفّذت هذه العمليات. كما أن السفارات كانت مركز التخطيط لهذه العمليات. والوزارات والسفارات تابعة للحكومة.
ببيان أدقّ؛ لا تعدّ الحكومة في نظام ولاية الفقيه سوى أداة لتنفيذ مآرب «ولي الفقيه»، كما أن رئيس الحكومة ليس سوى موظّف في هذه المؤسسة.
وعندما لمّح الرئيس ماكرون إلى استبعاد أن يكون حسن روحاني؛ رئيس جمهورية النظام، خلف التخطيط للعملية الإرهابية في فرنسا، ردّ عليه الناطق باسم الخارجية الإيرانية بالقول: «أرفض تصريحات ماكرون، وأعتقد أن هذا من قبيل سوء الفهم... في إيران هناك سياسة واحدة وعمل واحد في مجال السياسة الخارجية. ومن يحاول فصل النظام عن الحكومة فهذا يعود إلى جهله بالتركيبة الداخلية للحكم في إيران».
أعتقد أن أي سياسة جادة نحو محاربة الإرهاب الدولي، كما يدّعيها القادة الأوروبيون، تبدأ بوعي جاد باللعبة الازدواجية التي تتميز بها طهران، مع أن جميع هذه التناقضات ليست سوى الصراع على السلطة. ومن هنا تتبين ضرورة طرد الإرهابيين الذين ينفّذون أجندة النظام الإرهابية بغطاء دبلوماسي.

* رئيس حكومة الجزائر الأسبق رئيس لجنة التضامن العربي الإسلامي مع المقاومة الإيرانية