سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

فرصتنا الآن

الوقت مناسب الآن للهجوم المعاكس في أميركا وأوروبا وكندا على اليسار الليبرالي، ومناصرة التيارات المناهضة له، ومساعدتها في مواجهته، من أجل حماية مصالحنا المشتركة، وأن نكف أيديهم عنا، ونعيد الأمور لنصابها في طبيعة العلاقات الدولية التي تجمعنا، والتي ترتكز على اتفاقية بنسلفانيا، فتُحترَم السيادة الوطنية للجميع، ونعمل على تقوية المصالح التي تعود بالنفع على شعوبنا وشعوبهم.
إن نحن شخّصنا علتنا بدقة استطعنا أن نعالجها أسرع؛ علتنا الآن ليست مع أميركا كلها، ولا فرنسا كلها، ولا ألمانيا كلها، ولا بريطانيا كلها، ولا كندا كلها، علتنا مع تيار يساري ليبرالي يحمل أفكاراً وقيماً، ومبادئ تجيز له فرضها على الآخرين دون احترام للسيادة الوطنية، لأنه مقتنع بأنها قيم إنسانية وأممية. وهذا التيار يملك معظم وسائل الإعلام، ويسيطر على منظمات دولية وحكومات، وهو مُوزَّع بين الأحزاب السياسية في تلك الدول، ولا فرق بينه وبين من يريد أن يفرض أي آيديولوجيا بالقوة على الآخرين.
وهذا ما بدأنا نعيه تماماً منذ 2010، ورؤيتنا لانهيار التحالفات الغربية - العربية، وانقلاب حلفاء تاريخيين علينا، منذ أن سيطر هذا التيار على الحكومات هناك، بعد أن مد نفوذه على الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، والأهم منذ أن سيطر على مراكز ومطابخ صنع القرار.
ليس التشخيص السليم الذي حددناه مؤخراً هو ما سيساعدنا على سرعة العلاج، إنما التوقيت أيضاً، فهذا التيار ما كان ليجرؤ أحد على مواجهته في تلك الدول إلى وقت قريب، باعتباره يملك وسائل الإعلام، ويسيطر سيطرة تامة على توجيه الرأي العام، إلا صعود تيار المحافظين وشجاعته في مواجهته، وأبرز مؤشراته ترشيح ترمب، وفوزه الذي فتح ثغرة لم يكن ليجرؤ أحد على جدال أفكارهم فيها كما فعل هو. هذا الاتجاه المعاكس الذي يجب أن نرتكز عليه في إعادة الأمور لنصابها بيننا في الدول العربية وبينهم، هذا التيار بدأ ينتشر في أوروبا كما انتشر في أميركا، ورفع صوته، ويحث الحكومات على العناية بالمصلحة المحلية أولاً، ووضعها فوق اعتبارات نشر قيمه عالمياً بأدوات ضغط تضر مصالحه القومية والتجارية، هذا التيار يتفق مع مصالحنا، وهو ما يجب أن يُدعَم، ليس فقط من خلال رموزه كأشخاص حزبيين، بل من خلال التغلغل إلى مطابخ القرار الغربي لخلق حلفاء محليين لنا هناك، بدعم مراكز البحوث وبيوت الاستشارات والدراسات والجامعات ووسائل الإعلام المؤيدة لأفكاره. نحن بحاجة إلى تفكيك صخرة اليسار الليبرالي الساذجة هذه التي تظن أنها «القدر» المسؤول عن إصلاح الكون بالريموت كونترول الغربي، وعن طريق الورق ومقاعد الدراسة عن بعد.
ما يساعدنا أن التيار اليساري حصلت له هزة داخلية حين اضطر لأن يواجه الفوضى الأمنية محلياً داخل عقر داره، هنا تعرضت قيمه التي يريد أن يفرضها على الآخرين بالقوة إلى امتحان صعب كشف خطأها وضعف منطقها وهشاشته. فالاضطرابات الأمنية التي حدثت في الولايات المتحدة، وفي فرنسا وبريطانيا قبلها، اضطرته لأن يضع كل شعاراته داخل الدرج، وينزل إلى أرض الواقع، ويواجهها من خلال القوة، والقوة المفرطة أيضاً إن استدعى الأمر، فكشفت تلك الازدواجية ضعف المنطق والحجة التي طالما ظن أنه لن يضطر لامتحانها داخلياً، فسقط ورسب في أول امتحان حقيقي لها.
الفرصة مواتية، وتلك الدول تعيش رعباً وخوفاً من الغول الشرقي المهاجم الذي يقتحم الأسواق، وبأرخص الأسعار، بل وبوقت تسليم أسرع، في ظل تراجع اقتصادياتها، وزيادة البطالة، وتضخم الأسعار، وأزمة اللاجئين!
الصين تفتح ذراعيها، وروسيا والهند وكوريا، وتعرض كل أنواع البضائع والخدمات، من السلاح إلى البناء والتجهيز. ومع ذلك، اليسار الألماني والفرنسي والأميركي والكندي يهددنا بوقف بيع الأسلحة، وكأنه لا يرى البدائل منتشرة على قارعة الطريق دون شروط، ومع احترام حق السيادة الوطنية، وهو ما عبر عنه ترمب بشكل واضح وسليم، الأمر الذي حرك اليمين المحافظ في تلك الدول الغربية لرفع أصواتهم، حاثاً الأحزاب على الالتفات إلى المصالح الوطنية التي ستتأثر نتيجة هذه السياسة الساذجة.
الآن لدينا حلفاء، ولهم أصواتهم وأحزابهم، والانقسام الغربي في صالحنا، علينا أن نتحرك لدعم هذه الأصوات، ولفتح ثغرات في حائط اليسار، والوصول للرأي العام الغربي، وكسب مزيد من الحلفاء.
وجود البدائل مسألة مريحة، إنما لا ينبغي أن يجعلنا الاتجاه شرقاً نغلق الباب الغربي، بل يجعلنا نعمل بأريحية دون ارتباك، فقط لا غير.