خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

شلي وهوس القراءة

كانت القراءة الهواية الوحيدة للشاعر الرومانطيقي برسي شلي في أوائل القرن التاسع عشر. يصف ذلك توماس هوغ في كتابه عن حياة الشاعر الكبير فيقول:
كان شلي يقرأ دائماً، يقرأ أثناء الأكل، فيضع الكتاب بجانب الصحن مفتوحاً وجاهزاً. كثيراً ما نسي الشاي والكعك وترك اللحم والبطاطا تبرد. ولكن اهتمامه بالموضوع قلما برد. اعتاد كثيراً على المشي وبيده الكتاب يقرأ لنفسه إذا كان لوحده وبصوت عال إذا كان معه أحد. كان يأخذ مجلداً ضخماً معه إلى الفراش ويستمر بالقراءة حتى تنتهي الشمعة. يخلد عندئذ للنوم على مضض وكره حتى يعود النور صباحاً فيعاود القراءة عند الفجر الباكر.
بنتيجة كل هذا السهر والقراءة المستمرة كثيراً ما استغرق في النوم خلال النهار. في لحظة واحدة تراه يغمض عينيه وينام كالطفل. غالباً ما نقل نفسه من الكرسي إلى الأرض بجواره واستغرق للرقاد على السجادة. وفي أيام الشتاء كان يرقد أمام النار القوية التي تشوي رأسه. وإذا حاول أحد أن يغطي رأسه ويحميه من النار، سارع الشاعر في نومه إلى إزاحة الغطاء بغضب.
أما الشاعر سذبي فكان مدمناً على قراءة قصائده الملحمية المزعجة لكل من يتطوع للتجربة القاسية قبل نشرها، حالما يرى شخصاً يصطاده ويفرض عليه هذا العناء. وقع ذلك في أحد الأيام على شلي. اصطحبه فوراً إلى غرفة في الطابق الأعلى ثم أقفل الباب وراءه باعتناء ووضع المفتاح في جيبه. حقاً كانت هناك نافذة للغرفة ولكنها كانت عالية جداً عن الأرض بحيث لا يستطيع حتى البطل ترنك أن يحاول الوصول إليها.
قال سذبي لشلي: يمكنك الآن أن تتمتع بشعري. اجلس واسترح.
أرسل شلي المسكين شهقة مؤدبة ثم جلس أمام المنضدة بينما جلس سذبي أمامه. وضع مخطوطة ديوانه الجديد بينه وبين الزائر وبدأ بالقراءة ببطء ووضوح إذا لم أكن مخطئاً. بدأ بقراءة قصيدة «لعنة كهامة». استولى الإعجاب الذاتي على سذبي فراح ينغم قراءته ويرفع صوته أحياناً ويخفضه أحياناً أخرى ليجسم الفقرات الأروع ويفسح المجال للسامع ليصفق ويعلن عن إعجابه!
لكنه لم يسمع أي تعليق أو نقد أو صيحة إعجاب. كان الصمت مخيماً تماماً على الغرفة. تعجب سذبي من ذلك فرفع عينيه من المخطوطة أمامه لينظر إلى شلي. ويا لدهشته. لم يجد أمامه أي أثر له؛ لقد اختفى كلياً. وكان ذلك أمراً مدهشاً حقاً. لم يكن هروبه من النافذة ممكناً قط. لقد اتخذ سذبي كافة الاحتياطات ضد ذلك! ومع هذا فقد اختفى شلي كلياً. اكتشف بعد هنيهة أن شلي زلق نفسه من الكرسي إلى الأرضية بكل هدوء ومن دون أن يحدث أي صوت!
وهناك فوق السجادة استغرق هذا الشاعر الشاب المتمرد في نوم عميق تحت المنضدة الكبيرة.