حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الأقوى: سلطة الضرائب

الخبر احتل عناوين الأخبار العاجلة وباللون الأحمر. ألقى ممثلو الادعاء العام في اليابان وتحديداً في العاصمة طوكيو، القبض على رئيس شركة «نيسان موتورز»، البرازيلي الجنسية اللبناني الأصل كارلوس غصن لوجود شبهة جنائية كبرى تتعلق بتقارير مالية كاذبة أدت إلى تهرب ضريبي وسوء سلوك من قبل كارلوس غصن الذي يشغل أيضاً منصب رئيس شركتي «رينو» و«ميتسوبيشي» في اليابان، وهو الخبر الذي جاء بمثابة الصاعقة، وأدى إلى تفاعل فوري ومباشر من شركة «نيسان» وذلك بإقالة كارلوس غصن من كافة مناصبه.
الشائعات كانت تحيط بالرجل، والأخبار تتردد أن الرجل «استفاد» من مناصبه بأشكال مختلفة، وفي النهاية سيتذكر التاريخ كارلوس غصن ليس كرجل الذي أنقذ شركتي «نيسان» و«رينو» للسيارات، ولكنه سيتذكره كرجل حاول كسر واختراق القانون ولكنه سقط.
تبقى مؤسسات الضرائب والجباية المالية في الدول الصناعية الأولى هي أقوى المؤسسات الرسمية بلا جدال. فهي أقوى من المباحث والمخابرات والدفاع والخارجية، وخصوصاً في الولايات المتحدة. هيئة خدمة الضرائب الداخلية هي مؤسسة بيروقراطية كبرى ومعقدة، حاول أكثر من عشرة رؤساء إصلاح الشفرة الضريبية وتعديلها ولكن مجهوداتهم جميعاً باءت بالفشل الذريع، لأن البيروقراطية الضريبية تحولت لحائط صد تحطمت حوله وأمامه وعليه كل محاولات الإصلاح.
المؤسسات في أميركا أهم من كل إدارة. الإدارة التي تأتي مع الرئيس تأتي ومعها قناعة بأنها قادرة على تغيير وإصلاح وهدم وتطويع المؤسسات لصالحها... مؤسسات مثل الاستخبارات والمباحث والداخلية ووزارة الدفاع والعدل والخارجية، ولكن المؤسسات تحترم الإدارات التي تحترمها، وتقدر جهود العاملين فيها والقائمين عليها وليس من يحتقرها ويقلل من شأنها، وهذا تحديداً الذي قضى على الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون عندما واجه قوى وزارة العدل والمباحث والداخلية و«فصل» المسؤولين عن التحقيق بشأن قضية «ووترغيت»، فانقلب المشرعون ضده وعليه واصطفوا لحماية المؤسسات التي هي أساس الفكر الديمقراطي المبني أساساً على حماية المؤسسات والفصل بينها لمنع الطغيان السياسي. ولذلك يسن المشرعون في الكونغرس الأميركي الجديد أسنانهم لإعادة إحياء ملف الرئيس دونالد ترمب، ومشكلة عدم إفصاحه عن سجله الضريبي منذ إعلان ترشحه للرئاسة، والآن بعد سنتين على رئاسته والمطالب المستمرة بذلك، ومع ذلك لم يقدم ما يثبت «التزامه الضريبي» حتى الآن.
آل كابون أشهر زعماء المافيا في التاريخ الأميركي، والذي قاد عصابات دموية وشرسة، عملت في تهريب الخمور والمخدرات والإقراض بفوائد مرعبة والقمار بأشكاله والدعارة مخلفاً المئات من القتلى والضحايا، ومع ذلك لم يقع في قبضة العدالة بسبب جرائمه بل بسبب هروبه الضريبي وإبلاغه بسجل ضريبي مغلوط ومزيف موجه لإدارة التحصيل الضريبي.
جريمة الغش الضريبي أهم وأخطر بكثير من التهرب الضريبي في الولايات المتحدة. سقوط كارلوس غصن يذكرنا مجدداً بهيمنة السلطة الضريبية وقوتها في دول العالم الأول، لأن الضرائب هي السلطة الممكنة للشعب، وهذا مفهوم التمثيل المتكامل.