مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

شعرة من جلد خنزير

قلت لأحدهم: قد تكون صحيحة المقولة التي يتناقلها الناس؛ من أن (المال الحلال لا يضيع)، ولكن ليس في كل حين، لسبب بسيط؛ وهو أنه ما أكثر الأشياء الحلال والأخرى المتشابهات التي ضاعت مني، ولم ولن تعود إلا إذا قامت (ناقة صالح).
ولكن اتركك مني، فلست أنا نموذجاً يقتدى به، المهم إليك بعض الحوادث التي حكمتها الصدف:
فهناك رجل من نيويورك اسمه (غريغور) فقدَ ساعته المحفور عليها اسمه الثلاثي، وبعد (53) سنة، كتب له أحدهم من (لاس فيغاس) يعلمه أنه عثر على الساعة، وأنه دخل على الاستعلامات باسمه وعرف عنوانه.
وسيدة كندية، فقدت دبلة خطوبتها الماسية المكتوب عليها اسمها قبل (13) سنة، ووجدتها إحدى قريباتها في مزرعتها وهي متحلقة، يا سبحان الله، في جزرة وكأنها خاتم في أصبع، وعندما شاهدت الجزرة ووجدت الدبلة متحلقة حولها، فلم تتمالك نفسها وأجهشت بالبكاء لأن الدبلة ذكّرتها بزوجها الذي توفي قبل سنة.
وأغرب من الكل (كرة قدم) ارتطمت بنافذة مركبة فضائية تدور حول الأرض، والتقطوها، واتضح أنها تخص (شان كيمبروه) أحد أفراد طاقم مكوك الفضاء (تشالنجر)، الذي أخذ الكرة معه، وكتب عليها إهداء إلى ابنته الصغيرة لكي يهديها لها في عيد مولدها عندما يعود إلى الأرض، وانفجر المكوك وقُتل كل من فيه، غير أن الكرة لم يصبها سوء، وظلت تسبح في الفضاء طوال ثلاثين عاماً، إلى أن التقطوها وقدموها لابنته التي احتضنتها وبللتها بدموعها.
ويبدو لي أنني بإيرادي لذلك الرجل هذه الحوادث وفتحي هذا الموضوع، قد أثرت كوامنه، لأنه تنهد قبل أن يقول: بل إن بعض المال الحلال فعلاً لا يضيع، والدلالة على ذلك أنه سبق لي أن أقرضت أحدهم مبلغاً، ومع الأسف أنني فقدت ورقة المكاتبة، وعندما ذهبت إليه ليكتب لي ورقة أخرى، بدأ يماطل ويتغير إلى درجة أنه في النهاية أنكر القرض من أساسه، وعندما رفعت عليه شكوى، طلب منه القاضي حلف اليمين، وسرعان ما أداها على مبدأ: (طلبوا من الحرامي أن يحلف، فقال: جاك الفرج). وخرج مزهواً، وخرجت أنا أجرّ أذيال الخيبة، غير أنني بعد سنة بفضل الله وجدت بالصدفة الورقة القديمة التي تدينه، ورفعت عليه القضية من جديد، وكسبتها واسترددت ثلث مالي. فسألته: لماذا ثلث مالك لا كلّه؟! قال: لأنني للأسف أقرضته بالعملة التركية عندما كانت مرتفعة وسعر الدولار (2) ليرة ليشتري له شقة في إسطنبول، والآن العملة نزلت وأصبح سعر الدولار (6) ليرات. فضحكت من أعماق قلبي وأنا أقول له: تستاهل. فرد عليّ قائلاً: لا تضحك (شعرة من جلد الخنزير فائدة).