بيري لينك
أستاذ الأدب الصيني في جامعة كاليفورنيا
TT

ثمن تجاوز حدود الصين

هل ستغلق صحيفة «نيويورك تايمز» ووكالة بلومبيرغ مكاتبهما في الصين نهاية هذا الشهر؟ أصدرت السلطات الصينية يوم الخميس فقط بطاقات صحافية تسمح لصحافيي هاتين المؤسستين بالتقدم للحصول على تأشيرات الإقامة التي سحبت منهم. لم يجر الإعلان عن التهديد المحتمل الذي يمثله هؤلاء الصحافيون، لكن التقارير الاستقصائية حول ثروات كبار المسؤولين في الحزب الحاكم ربما يكون لها علاقة بذلك.
وحتى إن حصل الصحافيون على تأشيراتهم، فقد كان هدف الحكومة واضحا، وهو بث الخوف في نفوس الصحافيين لعدم تكرار مثل هذه الموضوعات مستقبلا.
أصيب العالم الخارجي بالصدمة إزاء احتمالية إغلاق مكاتب مؤسستين إخباريتين كبيرتين، لكن ذلك بالنسبة للصينيين الذين تجرأوا على التفوه بالحقيقة غير المصرح بها أمر مألوف.
فبعد مظاهرات الطلبة التي تطالب بالديمقراطية والتي انتهت بمأساة بكين في الرابع من يونيو (حزيران) 1989، فر العشرات من قادة الطلبة والمفكرين ومستشارين حكوميين صدرت بحقهم أوامر اعتقال إلى الغرب. وبعد مضي سنوات أراد الكثير منهم العودة إلى الصين مجددا، لرؤية آبائهم على الأغلب، لكن دون جدوى. وقد آثر البعض منهم العودة وتسليم نفسه إلى السلطات. كما هو الحال مع واير كايتشي الذي حاول العودة والمخاطرة بالسجن، لكن سلطات هونغ كونغ منعته الدخول.
هنا بعض الحالات الأخرى التي سمح لها بالدخول، لكنها لم تخل من العواقب، فـ«شين يزي» الذي كان مستشار بارزا للزعيم زاو زيانغ، سمح له بالعودة لحضور جنازة والده شريطة عدم الإدلاء بأي تصريح ومغادرة البلاد مرة أخرى. ولم يكن هذا هو المثال الوحيد، فهناك الكثير من الأمثلة الأخرى. لعل أكثرها تأثيرا قصة ليو بنيان، الذي جعلت منه فضائح الفساد الكاتب الأكثر شهرة في الصين عام 1985، ثم طرد ليو من الحزب الشيوعي عام 1987 ونفي عام 1988، ليموت في نيو جيرسي عام 2005. وكان مسؤولو القنصلية الصينية في نيويورك قد عرضوا عليه عدة مرات العودة الآمنة في مقابل الصمت، لكنه رفض. وبعد حرق جثمانه، نقلت عائلته رماده إلى الصين (سرا، خوفا من أن يجري حظر الرماد على الحدود) ودفنوه تحت شاهد قبر. وكان ليو قد اختار كلمات لشاهد قبره: «هنا يرقد صيني فعل بعض الأشياء التي ينبغي عليه القيام بها، وقال أشياء كان عليه أن يتفوه بها». رفض صانع شواهد القبر ذلك، وهو ما جعل العائلة تقرر وضع شاهد خاو لينقل الرسالة.
الأمر لا يتوقف عند حد الصينيين العاديين، فالصينيون من عرقية الهان لا يحصل الفرد منهم على جواز سفر، إذا كان هو أو أحد أفراد أسرته «مثيرا للمشكلات». أما أبناء التبت والإيغور، فلا يحصل الفرد منهم على جواز سفر إلا إذا توافرت الأدلة على دعمه للنظام.
إذا كان هناك بصيص أمل في محنة «نيويورك تايمز» وبلومبيرغ فهو أن الغرب قد يحصل في النهاية على معرفة مباشرة بالثقافة السياسية للقيادة في الصين. إنها ثقافة تنافسية وذكية مشتقة من الرواية الصينية «غرام الممالك الثلاث»، أكثر منها من كارل ماركس، التي يكون فيها الفوز بأي وسيلة هو الإنجاز الأفضل. فالمسؤولون الصينيون يصورون منتقديهم على أنهم جماعة سياسية متطرفة «منشقة» عن التيار الرئيس الذي يمثله الحزب الشيوعي، وهو ما تحمله أيضا رواية «الممالك الثلاث» من أن يكون الشخص كاذبا وذكيا في آن واحد. وعندما تقبل الحكومات الغربية بذلك، فسوف نخسر جميعا.
* أستاذ الأدب الصيني
في جامعة كاليفورنيا
* خدمة «واشنطن بوست»