أظهرت تقارير حديثة صادرة عن مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها (CDC) بالولايات المتحدة، انتشار حالات عدة من الشلل نتيجة لوجود فيروس يشبه فيروس شلل الأطفال، ويصيب الجسم بالتهاب حاد في أعصاب الحبل الشوكي، ويؤدي إلى نوع من الشلل الرخوي flaccid paralysis. وقد تم تسجيل 127 حالة عبر 22 ولاية حتى منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي حتى الآن خلال هذا العام. واعتبرت 62 حالة منها حالات شلل رخوي بشكل قاطع. وقد بدأت هذه الحالات في شهر أغسطس (آب) من العام الحالي، وازدادت حدتها خلال هذا الشهر، ويتوقع الخبراء أن تقل حدتها بنهاية العام في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
موجة إصابات جديدة
وتثير هذه الحالات الرعب من احتمالية أن ينتشر الفيروس الجديد، وبخاصة بعد أن انتهى تقريباً مرض شلل الأطفال من العالم. وتأتي خطورة هذا المرض من احتمالية أن يصيب عضلات الجهاز التنفسي بالشلل ويؤدي إلى فشل في التنفس وحدوث الوفاة. ويعتبر تفشي هذه الحالات الأسوأ من حيث شدة الإصابات، وبخاصة أن التقارير أشارت إلى احتمالية أن يكون العدد الحقيقي أكبر من الحالات التي تم رصدها، حيث إن هناك الكثير من الحالات لم تتأكد بشكل قاطع حتى الآن. وعلى الرغم من ظهور الشلل والذعر، فإن هذه الموجة من الإصابات ليست الأولى، بل الثالثة من إصابات الشلل الرخوي الحاد التي ظهرت للمرة الأولى في عام 2014 وأصابت 120 طفلاً في 34 ولاية بنوع غامض من الشلل.
وأشارت المراكز الأميركية إلى أنه من الضروري الاهتمام بالموضوع ومحاولة اكتشاف طرق الوقاية منه؛ لأنه يؤثر في حياة الأطفال وذويهم بشكل بالغ، ويهدد مستقبلهم. وهناك الكثير من الدراسات التي تحاول الكشف عن طبيعة الفيروس. وكانت الموجة الثانية التي حدثت عام 2016 شهدت عدداً من الإصابات بلغ 149 حالة في 39 ولاية.
وأوضح العلماء، أن المسؤول عن الإصابة ربما يكون فيروساً واحداً فقط أو فيروسات عدة مجتمعة. ويعتبر الفيروس الأساسي المسبب للمرض هو الإنتيروفيروس Enterovirus (EV) D68، وهو نوع من نفس عائلة الفيروس المسبب لمرض شلل الأطفال polio، وفي الأغلب هو الذي سبب الإصابة منذ البداية في عام 2014.
وكان الفريق البحثي قد توصل إلى العلاقة بين هذا الفيروس والمرض منذ عام 2015، لكن الإصابة في هذا العام حدثت من فيروس آخر معروف في دول جنوب شرقي آسيا EV A71، وهو الأمر الذي رجّح وجود أكثر من فيروس تشارك في الإصابة، وبخاصة أن العينات من بعض المرضى أوضحت وجود فيروسين. وأيضاً لم تستطع الهيئات الصحية تحديد إذا كان هناك نوع من السموم البيئية يمكن أن تكون مشاركة في الإصابة من عدمه، وأيضاً إذا كان المرض مناعياً أم لا (المرض المناعي هو الذي تهاجم فيه خلايا الجسم بعضها البعض)، وأنه على الرغم من الجهود المبذولة، فإن السبب الحقيقي على وجه التحديد غير معروف بشكل كامل.
الشلل الرخوي
من المعروف أن الشلل الرخوي يؤثر بالأساس على الأطراف والساقين واليدين، لكن يمكن أن يشمل على الكثير من عضلات الجسم، ويكون قاتلاً حينما يصيب عضلات الجهاز التنفسي، ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة.
وفى الموجات التي حدثت في عام 2014 وعام 2016 لم يتم شفاء معظم الأطفال حتى الآن بشكل كامل. أما الذين تحسنوا فقد كان تحسنهم في الحركة طفيفاً، ولم يتم التحسن في الإحساس في الطرف المصاب؛ وهو الأمر الذي يمثل تحدياً جديداً بعد أن أوشك مرض شلل الأطفال على الانتهاء من العالم كله على وجه التقريب باستثناء حالات قليلة جداً؛ وذلك بفضل الجهود المبذولة في نشر الوعي بضرورة التطعيم التي أدت إلى القضاء على المرض.
أوضح الباحثون، أن السلالة التي ينحدر منها الفيروس ربما تكون هي المسؤولة عن شدة الأعراض وعدم الشفاء التام، لكن الإصابات هذا العام التي يتسبب فيها الفيروس EV A71، على الرغم من حدتها، تتحسن بشكل أكبر من الموجات السابقة التي تسبب فيها الفيروس EV D68. وأشار الباحثون إلى أنهم لا يعلمون على وجه الدقة السبب في حدوث الشلل، وفيما إذا كان نتيجة للهجوم المباشر من الفيروس للحبل الشوكي، أو نتيجة لتفاعلات مناعية من الجسم لمقاومة الفيروس، وأكدوا أنه من النادر جداً حدوث شلل حتى في حالة الإصابة بفيروس من عائلة شلل الأطفال EV، حيث لا تتعدى الإصابة مجرد عدوى للجهاز التنفسي.
وتكمن المشكلة في أنه لا يوجد تطعيم للفيروس الجديد، ولا توجد طريقة لمقاومة الفيروس إلا الالتزام بمعايير النظافة العامة، مثل غسل الأيدي باستمرار للأطفال، وتغطية الأنف أثناء العطس، وبخاصة أن موسم الإصابة بالإنفلونزا قد اقترب. ويجب على الآباء الذين يصاب ابنهم بأعراض الإنفلونزا أن يتأكدوا من عدم وجود ضعف في عضلات الساقين والذراعين، بمعنى أن أي تغير في الخطوة أو إحكام قبضة الطفل على الأكواب وعدم التعب من المجهود المعتاد. وعادة، وعند الإصابة بشلل الأطفال، تحدث في البداية أعراض تشبه الإصابة بنزلة البرد، مثل الارتفاع الطفيف في درجة الحرارة والصداع والرشح.
وفى حالة اشتباه الآباء في أي أعراض تتعلق بضعف العضلات يجب عليهم التوجه على الفور إلى المستشفى، والعرض على الطبيب وإجراء الفحوص اللازمة لمعرفة السبب والتأكد من الحالة.
* استشاري طب الأطفال