ميغيل إنخل موراتينوس
وزير خارجية إسبانيا السابق
TT

يجب حشد الدول الأوروبية للتطبيق الفوري لمبادرة السلام العربية

تعود الأحداث الأخيرة في غزة بذكريات المعاناة والقسوة التي عانتها المنطقة طويلا، والتي كرست لأجلها جزءا كبيرا من جهودي الشخصية والمهنية، التي أيضا، ولسوء الحظ، لم تمتلك القدرة على إنهاء 64 عاما من الصراع المستمر. على الجانب الفلسطيني، قتل ما لا يقل عن مائتي شخص خلال الأسبوع الماضي، وهي حقيقة، عندما تقترن بكمية المباني التي تحولت إلى أنقاض، لا تجد إلا اليأس ساكنا في قلوب السكان، الذين يناضلون لأجل أن يناموا، في منتهى العجز والعوز، يقضون ساعاتهم في انتظار القنابل الهابطة عليهم، ولا يعلمون من يبقى منهم أو من أصدقائهم أو جيرانهم على قيد الحياة في اليوم التالي. أما الجانب الإسرائيلي، تصرخ صافرات الإنذار - التي لم تصرخ منذ الحرب على العراق – ملوثة هدوء الليالي لكل عائلة بالكثير من الخوف والترويع وعدم اليقين.
لا أريد الخوض في أصول الصراع، أو لماذا طفت تلك الأزمة الجديدة على سطح الأحداث الآن تحديدا، حتى لو لم يستطع أحد إنكار حق إسرائيل في مشروعية الدفاع عن نفسها، غير أن ذلك يجب أن يتم بقدر من التناسب. لقد أدان العالم أجمع حادثة اختطاف وقتل الشبان الإسرائيليين الثلاثة، كما أدنت أنا كذلك، شخصيا، مثل تلك الأفعال. وإننا جميعا ندين حادثة القتل المروعة للشاب الفلسطيني، وهي حادثة قتل خاطئة على أيدي الغلاة والمتطرفين من اليهود الباحثين عن الانتقام. في مواجهة تلك الحالة، تطغى علينا أحاسيس العار الأخلاقي والسياسي ونحن نساعد، بمنتهى العجز، في نشر العنف الذي يبدو بلا نهاية، والذي يعود بنا إلى الحلقات الأكثر حزنا وألما في هذه المنطقة. تظهر الأحداث الراهنة، مرة أخرى، ضعف الشجاعة والإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي، وهو المجتمع الذي ناله المزيد من الضجر في كل يوم من ذلك الصراع الذي تخطى حاجز القرن من الزمان، ولا يبدو أنه سيشهد حلا في الأفق القريب. لقد أعلن اللاعبون الدوليون، وبجلاء، هزيمتهم، ولم تعد تساورهم أفكار جديدة حيال التوصل إلى حل حقيقي للصراع. تفاعلت الإدارة الأميركية، والرئيس الأميركي باراك أوباما، ودقت ناقوس الخطر في المجتمع الدولي، في الوقت الذي حاولوا فيه الوصول إلى اتفاق، يماثل ما اتفق عليه سابقا في عام 2012 مع مصر وقطر.
أين أوروبا من هذه المرحلة؟ ما الذي لدى قادة أوروبا ليقولوه أو يفعلوه حيال ذلك؟ لقد قرأنا، ولكن ليس على الصفحات الأولى للصحف والإعلام الرقمي، أن أوروبا قد وجهت بعض النداءات الخجلة إلى أطراف الصراع من أجل كبح جماح اندفاعهم. ولكن، أين الدبلوماسيات الأوروبية والإسبانية؟ ما نوع الكارثة التي يتوجب وقوعها كي تدفعنا إلى التحرك؟ ليس في اعتقادي أنه يجب علينا ولا لثانية واحدة أخرى انتظار قذيفة جديدة تزيد من عمق المأساة قبل أن نستيقظ من سباتنا. يجب علينا التفكير والتصرف سريعا إذا ما رغبنا في ألا تخضع غزة للمزيد من مهانة القتل والمعاناة، والعائلات الإسرائيلية للترويع والعنف. يجب علينا التصرف سريعا وتعبئة الرأي العام الدولي فورا، الذي على ما يبدو قد أصابه الخدر من هوس كأس العالم والإجازات الصيفية.
يعتمد الحل أيضا على تحمل أوروبا مسؤوليتها وعرضها خطة من شأنها، في تقديري، أن تتضمن الاعتراف بكل من دولتي إسرائيل وفلسطين من قبل المجتمع الدولي، ومن جانب الدول الأعضاء لدى الاتحاد الأوروبي كافة. ومن ثم، توجيه قناة المفاوضات لتحقيق حل حقيقي لكلتا الدولتين للتعايش بسلام وأمان. يجب علينا حشد الدول الأوروبية الرئيسة للتطبيق الفوري لمبادرة السلام العربية، رغم أنه يجب علينا فورا فرض وقف إطلاق النار، وإعادة فتح المفاوضات التي، تحت قيادة الولايات المتحدة، قد توقفت في أبريل (نيسان) الماضي. يجب على أوروبا توجيه رسالة واضحة إلى الأطراف المعنية، وتحدد جدولا زمنيا لما تبقى من هذا العام حتى يتسنى لتلك المقترحات أن تؤتي ثمارها ويتم الإفادة منها. وإذا لم يتحقق ذلك، يتعين على أوروبا وقتها إعادة صياغة سياستها الخارجية بشكل كامل، فيما يتعلق بهذه المنطقة واقتراح تدابير أكثر فاعلية لكسر حالة الجمود اللازمة لذلك الصراع. ما الذي ننتظره؟

* وزير خارجية إسبانيا السابق