حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

فلسطين مجددا

ها هي غزة تطل علينا لتذكرنا بالقضية المركزية الأولى في العالم العربي، القضية الفلسطينية وصراعها الوجودي ضد العدو الأول حتى لا ننسى، وهو إسرائيل. ما يحدث الآن ببساطة شديدة هو جريمة إسرائيلية وحشية بشعة ضد الشعب الفلسطيني أسفرت عن قتل وجرح المئات، وهدم منازلهم، وتشرد مثلهم بالمئات.
أي محاولة أخرى لوصف هذا الوضع هو تمييع للحقائق، بل وتزييف لها. المشهد المهول الحاصل في غزة هو استمرار لسياسة إسرائيل الإجرامية في المنطقة وطغيانها وعدم اكتراثها بكل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، وهو نهج كرسته منذ عقود طويلة من الزمن غير عابئة ولا مكترثة أبدا بقرارات أممية ولا رأي عام عالمي ولا مواثيق حقوق إنسان.
القضية الفلسطينية الشريفة ذات المطلب النبيل والعادل، تاجر بها الكثيرون من أبنائها ومن غيرهم. أنظمة حكم عربية بَنَتْ كل شرعيتها على أساس أنها أنظمة مقاومة وممانعة وروجت لذلك عقودا من الزمن وكرست كل أجهزتها الأمنية والفكرية والسياسية والدبلوماسية والثقافية حتى باتت جزءا لا يتجزأ من هوية وأهداف وفكر الدولة، وطبعا كانت بحاجة إلى «إغراءات» لتسويق نفسها كصوت المقاومة وضمير القضية، فاستعانت بشخصيات فلسطينية مختلفة لتتحدث عنها وتحييها وتشكرها وتصفق لها حتى تمنح لمشروعها السياسي الشرعية الشعبية بأيقونتها المطلوبة.
وطبعا كان هناك ثمن مهول حين بدأت هذه القضية الشريفة تحتسب على شخصيات وأنظمة مجرمة مثل صدام حسين وبشار الأسد وحافظ الأسد ومعمر القذافي وحسن نصر الله وإيران وبدأوا يستغلون القضية أسوأ استغلال ولم تعد تصل الموارد المالية بحسب الوعود ولا السلاح ولا المواقف السياسية، بل إن هذه الأنظمة ساهمت وصنعت وكرست الفرقة والفتنة والخلاف الحاد حتى وصل إلى درجة الاقتتال البيني في وقت من الأوقات.
القضية الفلسطينية هي صورة مشوهة لما وصل إليه الحال العربي، تآمر عليها العرب تماما كما تآمر عليها مؤيدو العدو الإسرائيلي. خانها الكثيرون، فمن ادّعوا أنهم يساندونها تماما كما فعل قادة وساسة حول العالم ادّعوا أنهم يؤيدون الحلول السلمية والسلام وغير ذلك من الشعارات البراقة، تماما مثلما فعلت دولة فرنسا مؤخرا بمنع المظاهرات المؤيدة لفلسطين في بلد كان يفتخر وينادي دوما بحرية الرأي والكلمة والتظاهر والتجمع.
إسرائيل تلعب أوراقها بخبث، مستعينة في ذلك بقوى الشر والظلام في العالم، ولكن يخدمها حال التخبط الهائل الحاصل داخل الأروقة الفلسطينية نفسها.
فلسطين ليست حماس ولا خالد مشعل ولا إسماعيل هنية ولا فتح ولا محمود عباس ولا محمد دحلان، وهي حتما ليست بشار الأسد ولا حسن نصر الله. فلسطين هي أرض مغتصبة من عدو مجرم، وهي شعب محروم ومظلوم لعب بنار صناعة أوباش وأشقياء، هي أهم قضية أخلاقية وعادلة وحقوقية يعرفها العالم اليوم. حجم الظلم الذي حصل في القضية الفلسطينية لشعبها البريء المظلوم غير مسبوق أبدا.
أضعف الإيمان المطلوب اليوم هو تركيز العمل الإغاثي لهم ونصرتهم بالرأي والقول الحسن وعدم التفرع في أسباب ذلك من قصور وتخوين، فالوضع متأزم جدا بما فيه الكفاية وليس بحاجة أبدا إلى أن يزداد معدلات سكب الزيت على النار المشتعلة بقوة. لا نملك إلا الكلمات والدعاء لهم بالرحمة والصبر وكشف الغمة.
فلسطين تخفت سيرتها ولكن لا تغيب، وسرعان ما تعود لتذكرنا بحجم المأساة وكبر الكارثة وهول الحقيقة.