سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

العجائبي المستر كيري

أكن تقديرا عميقا للمتفائلين، إنهم يملكون قدرة أفتقدها. أنا، بعكسهم، أنظر في الأحوال جميعها وأصاب بما سماه الإمام أبو حامد الغزالي «الاكتئاب» قبل قرون من ظهور علم النفس في أوروبا، وقبل قرون أيضا من شرح أثر الصحة النفسية على صحة الجسم.
عندما بدأت الحرب اللبنانية كان أبي يدخل المنزل ضاحكا، وهو يقول: «خلصت. خلصت»، أي انتهت. وبرغم شعورنا أنها لم تبدأ بعد، كانت بشراه تريحنا ونحن نسمع أصوات الرصاص في كل مكان. وعندما قرأت كتاب «لا تحزن» للشيخ عائض القرني، فهمت لماذا بيعت منه آلاف النسخ: لأنه يأخذ بيد الضعفاء في الأوقات الحالكة.
وقد عالج الإمام الغزالي متاعبه النفسية بنفسه وقهر الوسواس القهري، ولست أملك القوة على ذلك. أتطلع وأفزع. أتأمل في الرجال والأحداث فأسمع المستر جون كيري يقول إن أول اتفاق فلسطيني - إسرائيلي سوف يعلن بعد أشهر. بأي ردة فعل يحسن بنا أن نتلقى كلام جون كيري؟ هل لدى جنابكم حذر تلقائي من الذين يكثرون الكلام والحركة والوعود؟
عندما رشح كيري نفسه للرئاسة عام 2004 أحصى مستمعوه كم مرة استخدم كلمة «خطة» في جلسة تلفزيونية واحدة، وكان الرقم 24! وكان يخوض الحملة معه لنيابة الرئاسة السيناتور جون إدواردز، فألقى يوما خطابا في ولاية أيوا قال فيه: «إذا عملنا ما علينا أن نعمله في هذا البلد، إذا عملنا ما علينا فعله عندما يصبح جون كيري رئيسا، فإن أناسا مثل كريستوفر ريف سوف يقومون عن كراسيهم الكهربائية ويمشون».
لم يصبح كيري رئيسا ولم يقم بطل «سوبرمان» السابق عن كرسي الشلل. لكن كيري عاد إلى السياسة، أو ظل فيها، بصفة وزير خارجية الدولة الكبرى في العالم. وبدل أن يقوم كريستوفر ريف قام سيرغي لافروف، وزير فلاديمير بوتين، و«سوبرمان» الساحة الدولية هذه الأيام، والرجل الذي يدلله السيد وزير الخارجية السوري الدكتور وليد المعلم باسمه الأول في المؤتمرات الصحافية: «بحثنا، سيرغي وأنا».
ما بين قتوم سيرغي وتفاؤل العجائبي جون كيري، يصاب المرء بما يمكن تسميته «الاكتئاب الغزالي». أو بمرض «التوحد»: «وقد قفل الله لساني حتى اعتقل عن التدريس، فكنت أجاهد أن أدرِّس يوما واحدا تطييبا لقلوب المختلفين إليّ، فكان لساني لا ينطق بكلمة». يحلها المستر كيري. بضعة أشهر وتنتهي قضية فلسطين.