عادل درويش
صحافي معتمد في مجلس العموم البريطاني، وخبرة 55 عاماً في صحف «فليت ستريت». وكمراسل غطى أزمات وحروب الشرق الأوسط وأفريقيا. مؤرخ نشرت له ستة كتب بالإنجليزية، وترجمت للغات أخرى، عن حربي الخليج، و«حروب المياه»؛ أحدثها «الإسكندرية ، وداعاً: 1939-1960».
TT

دعم ترمب ضد إيران ضرورة تاريخية

تنقسم الأصوات الهامسة في كواليس وستمنستر ووايتهول حول موقف حكومة رئيسة الوزراء تريزا ماي من دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الحلفاء الغربيين لدعم سياسته تجاه إيران.
الحكومة تسلك الطريق الخطأ بالثقة في ملالي طهران الذين يسعون لإثارة المتاعب وعرقلة السلام، كمرحلة تكتيكية في استراتيجية طويلة المدى للهيمنة على المنطقة.
للأسف، أصواتنا الداعية إلى ضرورة دعم الحليف الأميركي والأصدقاء التاريخيين العرب، في مواجهة إيران، أقلية في الجدل الداخلي البريطاني. فالتفكير الجماعي للمؤسسة (وزارة الخارجية، وأدوات صناعة الرأي العام بأشكالها المختلفة) أصبح أسير التيار اليساري الدولي (راجع «الشرق الأوسط»، عدد 16 سبتمبر/ أيلول، «الحرب الأهلية العالمية»)، الذي يرى في الاتفاق النووي الذي وقعه الغرب، بقيادة الرئيس السابق باراك أوباما، مع إيران قاعدة يمكن البناء عليها للاستقرار الإقليمي، ويرى في الرئيس ترمب خطراً على السلام الدولي أكثر من خطر نظام الجمهورية الإسلامية.
صورة مقلوبة للعالم لخصها خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المنتقد للرئيس الأميركي، برفضه «سياسة الشريك الأكثر قوة»، ودعوته للحوار مع إيران.
المراقب لتجمع زعماء حكومات الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة يرى صورة مخالفة لما يروجه التيار الليبرالي اليساري العالمي؛ الرئيس ترمب يتبع سياسة خارجية بدأت معالمها في الاتضاح.
«أميركا أولاً» تعني السلام من خلال الثقة بالقوة الذاتية. لم تخض إدارته أية حروب (باستثناء ضربة محددة مع الحلفاء في سوريا)، مقارنة بأوباما الذي أرسل قوات أميركية مباشرة، أو في عمليات سرية، وقصف طيرانه ثمانية بلدان.
خطاب ترمب للأمم المتحدة في 2017 انتقد سياسة كوريا الشمالية، وفوجئ خصومه العالميون بدبلوماسية اخترقت السد الجليدي حول بيونغ يانغ؛ سداً أعجز دبلوماسية سابقيه. ورأينا اغتباط ديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ - أون بمقابلة الرئيس ترمب شخصياً لتسوية الخلافات، وما تبعه من تحسن غير مسبوق في علاقات الكوريتين، ودخولهما الأولمبياد الشتوي بفريق مشترك.
في تحذير الرئيس ترمب (وإدارته، خصوصاً جون بولتون مستشار الأمن القومي) لإيران، اتضحت سياسته الخارجية: بعد ترويض دولة مارقة، يحاول ترمب - بنهج مماثل - ترويض دولة مارقة أخرى، صنفتها الإدارة قبل السابقة (بوش الابن) بأنها تقود ما وصفته بـ«محور الشر».
كشف ترمب في خطابه للأمم المتحدة رفضه طلباً من نظيره الإيراني حسن روحاني لعقد اجتماع وجهاً لوجه. وعبر وسيلته المفضلة لمخاطبة العالم مباشرة، قال على «تويتر»: «أنا متأكد من أنه (روحاني) رجل جميل»، لكنه دعا إيران إلى «تغيير لهجتها»، كشرط للموافقة على اللقاء.
وبعكس رئيسة الوزراء ماي التي رقصت حول العبارات الملتوية، ودعوة الزعيم الفرنسي للحوار مع إيران، فإن ترمب وصف إيران مباشرة بالبلد «الراعي للإرهاب في العالم» الذي استخدم عائد هدية الاتفاق النووي المثير للجدل لزيادة ميزانيته العسكرية بنسبه 40 في المائة؛ أموال إضافية لتمويل الإرهاب و«تمويل الخراب والدمار في سوريا واليمن».
لهجة خطاب تتأكد جديته في تعريض طهران للضغوط الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية التي جلبت في نهاية المطاف كيم جونغ - أون إلى قاعة المفاوضات.
فقد انخفض ما تعرفه البحرية الأميركية بـ«حوادث خطيرة» (لهجة مهذبة لاستفزازات الحرس الثوري الإيراني للسفن الأميركية) من 36 حادثة في 2016 إلى 14 في 2017. ومنذ اللهجة المتشددة للرئيس ترمب، والانسحاب من الاتفاق النووي، لم تقع حادثة واحدة.
المنهج الدبلوماسي للرئيس ترمب، التشدد مع ترك باب الدبلوماسية مفتوحاً، نجح حتى الآن في فتح صفحة جديدة في كتاب تاريخ الجزيرة الكورية، لكن من المشكوك فيه نجاح هذا التكتيك مع طهران، ولهذا يجب أن ينضم الحلفاء الغربيون، خصوصاً بريطانيا، وبالطبع الأصدقاء الإقليميون، إلى ترمب لزيادة الضغط على إيران.
لدى الآيديولوجيا السياسية في بيونغ يانغ مرونة تسمح بالتصالح مع سيول وواشنطن، لكن آيات الله في طهران أسرى هوس الآيديولوجيا الخمينية الجامدة.
وحكام إيران ملتزمون بتصدير مبادئ ثورتها إلى العالم الإسلامي، في إطار استراتيجية الهيمنة في الدوائر الثلاث (جغرافياً للبلدان المجاورة، ثم استخدام خلايا نائمة وجماعات محلية في الدائرة الثانية إقليمياً، كـ«حزب الله» في لبنان و«الحوثيين» في اليمن، والدائرة العالمية بإثارة الشيعة في كل بلد إسلامي).
أي انفراج اقتصادي ستستخدمه كوريا الشمالية في تحسين الأوضاع الداخلية، بينما أي مكسب اقتصادي من رفع العقوبات سيستخدمه الملالي في إثارة المتاعب (في الدائرتين الأولى والثانية): لبنان وسوريا والعراق واليمن وبلدان الخليج.
وبعكس ما يرى التيار (هنا في بريطانيا) المنتقد لسياسة ترمب إرسال روسيا نظام الصواريخ المضاد للطائرات (إس 300) إلى سوريا جزءاً من سياسة الرئيس فلاديمير بوتين التوسعية، فالواقع أن التدخل الإيراني في سوريا ولبنان هو الذي خلق التوتر، وكان سبباً في سباق التسلح. فالتدخل الإيراني يراه الإسرائيليون خطراً حقيقياً. وكان إسقاطهم (بطريق الخطأ، حسب الرواية الرسمية) لطائرة روسية وراء إرسال موسكو صواريخ الدفاع الجوي إلى سوريا.
سيصعب على الرئيس ترمب ترويض التشدد الإيراني بلا مواجهة عسكرية مباشرة في الخليج، لكن دعم الحلفاء الغربيين، خصوصاً بريطانيا، سيقوي من احتمالات احتواء انتشار النفوذ الإيراني الضار بأدوات أخرى، غير العمليات العسكرية المباشرة، ويقلل أيضاً من احتمالات مواجهة عسكرية إيرانية - إسرائيلية.
وزير الخارجية البريطاني الجديد جيريمي هنت أصدر بيانات قوية تنتقد نظام الجمهورية الإسلامية في سجنها لزوجة وأم بريطانية (مزدوجة الجنسية)، السيدة نيزانين زغاراي - رادكليف، بتهمه تجسس تغيب أي أدلة على إثباتها.
لكن انتقادات وزير الخارجية هنت لم تمتد لنقد السياسات الإيرانية في المنطقة وتهديدها للسلام، وخصوصاً مسؤوليتها المباشرة عن الحرب التراجيدية في اليمن.
ونصيحتنا ألا يخضع المستر هنت للابتزازات المعنوية من الصحافة اليسارية، خصوصاً التلفزيونية.
على وزير الخارجية هنت إدارة ظهره لهراء بروباغندا اليسار البريطاني، وإقناع مستشاري حكومة السيدة ماي بخطأ تحليلهم بأن التمسك بالاتفاق النووي هو أفضل طريقه لدفع الملالي نحو سياسة تتلاءم والسلام الإقليمي والعالمي، فلبنان وسوريا وغزة، وخصوصاً اليمن، أثبتت خطأ هذه السياسة.
دعم بريطانيا لسياسة الرئيس ترمب تجاه إيران، وإقناع القوى الأوروبية الأخرى بدعم الحليف الأميركي الذي هب لإنقاذ أوروبا في الحربين العالميتين، سيكون خطوة حكيمة تتخذها رئيسة الوزراء وتعطي دعماً قوياً لحلفاء بريطانيا في الخليج.