إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

ميمي طباخة السمّ

للتمويه على قراصنة الكتب، ومناورة الرقيب المحتمل، لجأت دار النشر الفرنسية المعروفة «غراسيه» إلى طبع عنوان مزيف على كتاب قيد الصدور. أما الغلاف الحقيقي فقد جرى طبعه في الخارج وجيء به ليضاف في اللحظات الأخيرة. لكن «العيون» كثيرة في باريس وأكثر منها الآذان. وهكذا عرف القراء أن هناك وجبة دسمة من النميمة في انتظارهم منتصف الشهر المقبل. إنها سيرة ميمي مارشان، المرأة التي تشرف على الصور التي تنشر لإيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت. فالرئيس الفرنسي، مثل غيره من كبار هذا العالم، يولي اهتماماً بالغاً للصورة، «اللوك». وما أدراك ما «اللوك»؟
من هي ميشيل مارشان، الشهيرة بمدام ميمي؟ سيرتها المنشورة تقول إنها سيدة سبعينية تنقلت بين مهن كثيرة. هربت من بيت العائلة وتزوجت عدة مرات، وكان من بين أزواجها اثنان خارجان على القانون. درست التجارة واشتغلت في ورشة لتصليح السيارات. ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة وعملت في ترميم البيوت. وكانت تجمع السيارات الفرنسية المتضررة والمعطوبة من المزابل وتشحنها إلى أميركا وتتولى تجديدها وبيعها هناك. ثم حدث وأن عملت في مجلة لهواة الأسلحة ولسعتها نحلة الصحافة. عادت إلى باريس وصارت مراسلة ومصورة تخصصت في دسّ أنفها في أسرار السياسيين. تعاونت مع المجلات الشعبية وأبلت بلاءً حسناً. التحقت بمجلة «فواسي» وكانت وراء غالبية من ينشر في هذه المجلة واسعة الانتشار. لكنها اضطرت إلى مغادرتها بعد أن خسرت المجلة دعوى قضائية. وكانت المصورة قد كشفت عن مقابلة جرت مع أحد الحراس الشخصيين للأميرة البريطانية ديانا سبنسر، قبل مصرعها في باريس.
خرجت ميمي من المجلة وافتتحت في المبنى المجاور وكالة للتحقيقات المصورة خاصة بها. صارت خلال سنوات قلائل «البابارازي» الأشهر في المهنة، لها علاقات واسعة وقائمة هواتف لمشاهير البلد. وبدأت المجلات العالمية تشتري صورها. ويقال إنها وراء الصور التي التقطت للرئيس السابق هولاند متسللاً من «الإليزيه» ليبيت في شقة عشيقته. وفي صيف 2016 أثناء الحملة الرئاسية، تمكنت من إقناع بريجيت ماكرون بالتقاط صورة في زي صيفي غير رسمي، نشرت على غلاف «باري ماتش». وكانت تلك أول إطلالة واسعة للمعلمة المتقاعدة التي ستصبح سيدة فرنسا الأولى.
من حق كل مواطن أن يلتقط رزقه بالشكل الذي يناسبه، في حدود القانون. لا أحد يعرف إن كانت ميمي قد تجاوزت حدودها. وفي الكتاب الذي سيصدر عنها معلومات تربط بينها وبين قضية ألكسندر بنعلّة، حارس الرئيس الذي اعتدى بالضرب على متظاهرين في ساحة عامة. هل طلب منها ماكرون التدخل لتهدئة الفضيحة؟ وبأي صفة كانت حاضرة عندما أعدت صحيفة «لوموند» موضوعاً عن الحارس؟ لم تتسرب، حتى الآن، مقاطع من كتاب سيرة ميمي مارشال الذي وضعه صحافيان من زملاء مهنتها، من دون موافقتها. وأبلغ أحدهما الشرطة، مؤخراً، أنه تعرض للسطو أثناء غيابه عن البيت. ولعل اللص كان يبحث عن مسودة الكتاب.
جرت العادة أن توزع دور النشر نسخاً من إصداراتها الجديدة على محرري صفحات الكتب، قبل نزولها إلى المكتبات. لكن «غراسيه» امتنعت عن منح أي نسخة. مع هذا تمكن أحدهم من الاطلاع على الكلمة التي وضعها الناشر على الغلاف الأخير. جاء فيها أن ميمي تتوجه كل خميس إلى «الإليزيه» لممارسة مهمتها في الاهتمام بصور الرئيس وزوجته. وهو أمر لم يعرفه القصر مع أي مصور من قبل.
المثل يقول: «طباخ السم لازم يذوقه». والصحافية التي تلصصت على حياة الغير قابلت أخيراً من يذيقها من الكأس ذاتها.