محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

حكومة الظل!

ستقدم «حكومة الظل» في بريطانيا مقترحاً لافتاً ربما يثير حفيظة الشركات. ينص المقترح على منح الشركات التي يعمل فيها نحو 250 موظفاً «خيارات تملّك أسهم» (stock options)، وذلك باستقطاع الشركات نسبة 1 في المائة من حقوق ملكيتها سنوياً، بغية الوصول إلى أن نسبة تملك الموظفين لا تزيد عن 10 في المائة من أصول الشركات التي يعملون فيها.
وتتوقع «حكومة الظل» أن يسهم ذلك في تحسين حياة أكثر من 10 ملايين موظف في المملكة المتحدة خلال خمس سنوات، بحسب ما انفردت به «التايمز» أمس (الاثنين).
هذا المقترح، كنا نلجأ إليه في القطاع الخاص، قبل أن يتحول إلى عبء مالي لأسباب متعلقة بالمعالجة المحاسبية الجديدة له التي أفقدته بريقه بالنسبة للشركات، الأمر الذي دفع الشركات إلى البحث عن بدائل أخرى؛ لكنه يبقى مقترحاً مهماً. وحينما يقترحه شخص سياسي، وبهذه التفاصيل، فإن ذلك يستحق الاهتمام، وذكرني بفعالية «حكومات الظل» في البلدان المتقدمة.
في معظم بلدان العالم ينتظر الجميع ما تصنعه لهم الحكومة، أما من يتمتع بهامش معقول من الحرية في العالم الثالث، فيعبر في وسائل التواصل الاجتماعي أملاً في توجيه حكومته. غير أن الأسوأ يقع حينما تندفع هذه الجموع في مطالبات غير موضوعية، وأحياناً مطالبات راديكالية متسرعة. فكم من وزير أقصي لإرضاء الرأي العام الذي لم يكن يملك تفاصيل ما يجري في الوزارة من معلومات وتفانٍ وإخلاص. وفي أحيان كثيرة تكون تلك الجموع غير مؤهلة لتقديم حلول بديلة أو رؤى عميقة، مثلما تفعل حكومات الظل.
فحكومة الظل، باختصار شديد، ليست ذات سلطات تنفيذية؛ لكنها تتشكل من الأحزاب المعارضة التي تحاول أن تقوّم مسار الحكومة الفعلية. ولذا فهي تكلف كل شخص (وزير ظل) بمتابعة وزارة بعينها ليكون تركيزه منصباً بعمق على أعمالها مع فريق عمله المهني. وهي مؤسسة برلمانية كما في بريطانيا، ويرأسها زعيم المعارضة، وأظن أنه يتقاضى عليها مخصصات مالية سنوية من الدولة ليقوم بواجبه الوطني. والمعارضة في البلدان الغربية في الغالب أقرب للموضوعية وليست ضد الدولة ولا مع تأليب الشعب على قيادته، أو تحريض الناس على الفوضى، وربما لذلك تسمى حكومة الظل «المعارضة الوفية لجلالتها»؛ أي الملكة التي تعد رمز البلاد بكل مؤسساتها.
ولهذا، فإن وجود «حكومة ظل» هو أمر في غاية الأهمية، فحينما يشعر وزير بأن شخصاً مهماً في «حكومة الظل» يتابعه، ويحظى بتأييد شعبي، فإن فرصة استبداده تقل، وتسرعه في القرار يكاد يتلاشى؛ لأن هناك من يقف له بالمرصاد. ولذلك نجد في البلدان الغربية حرص الوزراء على إبراز موضوعية قراراتهم الكبرى للعامة وللبرلمان، ولسان حالهم يقول: «إياكِ أعني واسمعي يا جارة» (حكومة ظل).
ندرك أن إنشاء حكومات ظل في بلداننا العربية يصعب، لاعتبارات مرتبطة بأهمية نضوج التجربة السياسية المتعلقة بالممارسة الرشيدة من قبل الأحزاب لدورها الوطني، بعيداً عن الفئوية والإقصاء وربما التخوين؛ لكننا يمكن على أقل تقدير ممارسة «مبدأ التخصص» نفسه، أو «الرقابة»، فهو ركن من أركان علم الإدارة. فلا يعقل أن تنتقد الشخصيات العامة «كل شيء» تراقبه، حتى الأمور المالية المعقدة. لم لا نختار كناشطين مجالات محددة نلتزم بها مثل وزراء الظل، وبطرح عقلاني وعملي يتطلع إليه كل مسؤول؛ بدلاً من حملة «الهاشتاغات» العقيمة في «تويتر».
كما يمكن للمقربين من دوائر اتخاذ القرار العليا في البلدان العربية، الاستفادة من مقترحات «حكومات الظل» الغربية، برصدها أملاً في تطوير بلداننا بما يناسب طبيعتنا. ومن أمثلة ذلك موضوع خيارات الأسهم، وغيرها من حوافز ومشروعات بناء عصرية. فمقترحات الحكومات التقليدية تحتل مانشيتات الصحافة الورقية والإلكترونية؛ لكن حكومات الظل تحتاج منا لعين راصدة؛ لأنها تقدم نواة لمشروعات ربما ترى النور في القريب العاجل، فنسبقهم نحن إليها.
أليست الحكمة ضالة المؤمن؟