باري ريثولتز
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

10 أشياء يخطئ الناس فهمها عن الأزمة المالية

أحد أكثر الجوانب المثيرة للفضول بشأن الأزمة المالية لعام 2007 - 2008، هو مدى ضعف الفهم لما حدث بالفعل خلال تلك الأزمة. ويرجع بعض من ذلك إلى تعقيدات الأحداث والملابسات التي زامنت وقوع الأزمة، فضلا عن صعوبة الوقوف على القوى المحركة للأحداث خلف الكواليس والتي تراكمت ببطء شديد عبر السنين.
حتى بعد مرور عقد من الزمان، لا يزال كثير من الناس يتمسكون بالأفكار الخاطئة بشأن الأسباب الحقيقية (لم يكن هناك سبب واحد) لوقوع الأزمة المالية. وأناقش فيما يلي الأسباب العشرة المفضلة لدي، وأوجه سوء الفهم، والأكاذيب الواضحة بشأن الأزمة المالية وتداعياتها:
أولا، أسفر انهيار بنك ليمان براذرز عن اندلاع الأزمة المالية: تقول الشائعة «لولا العجز عن إنقاذ بنك ليمان براذرز لكنا تفادينا وقوع الأزمة المالية». ويعكس هذا الأمر سوء الفهم الجوهري لحجم الاضطرابات آنذاك. وحتى نقبل هذا الافتراض - وبعض من موظفي البنك السابقين هم من أبرز أنصار هذه الفرضية - يجب على المرء أن يدعي أن مجموعة كاملة من القضايا والمسائل الأخرى لم يعد لها وجود حقيقي على أرض الواقع.
عانى بنك ليمان براذرز، على غرار بنك بير ستيرنز من قبله، من كثير من القضايا نفسها التي عانت منها أغلب المصارف الكبرى والوسطاء الماليين الكبار: القدر الهائل من الأوراق غير المرغوب فيها، والكثير من النفوذ، والقليل للغاية من رؤوس الأموال، والقليل من الضوابط المتعلقة بمراقبة المخاطر. كان بنك ليمان براذرز، بكل بساطة، من بين أكثر البنوك التي استحوذت على كثير من الأموال عالية المديونية وغير الممولة بالقدر الكافي في الأسواق المالية.
ثانياً، لو لم يكن بسبب (س) لكانت الأمور أفضل كثيرا: ضع مكان المعامل (س) ما تشاء من افتراضات، ولكن من المهم أن تتذكر جيدا أن الأزمة المالية لم تكن حدثاً عالمياً منفرداً، ولكنها جاءت نتيجة لعوامل كثيرة متضافرة ومتراكمة مع مرور الوقت. ومن بين هذه العوامل: الانخفاض الشديد لأسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والتعافي الضعيف للغاية من فقاعة الإنترنت (دوت كوم) بين عامي 1995 و2000، والازدهار ثم الركود في قطاع الإسكان، المقدار الهائل من الروافع المالية، و(توريق أو تسنيد: تحويل الأصول إلى أوراق مالية) الرهون العقارية، واعتماد المشتقات المالية والإلغاء الواهي للضوابط التنظيمية في الصناعة المالية، الأمر الذي أفضى إلى كثير مما سلف ذكره، وغير ذلك الكثير.
ثالثاً، إلغاء تشريع «غلاس - ستيغال» (النص المفسر لأربعة أحكام من قانون المصارف الأميركي لعام 1933): تقول الحجة أنه خلال العقود التي تلت سن تشريع «غلاس - ستيغال» إبان الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي، كانت أزمات وول ستريت المالية لا تتجاوز نطاق وول ستريت بحال، ولا تنتشر في المجال العام. وراجع أمثلة ذلك في انهيار سوق الأسهم في عام 1987، أو أزمة العملة المكسيكية (البيزو) لعام 1994. غير أن المسألة السببية التي واجهناها كانت تتعلق باختبار «لولا ذلك لكان كذلك». هل كنا سوف نعاني من الأزمة لو كان تشريع «غلاس - ستيغال» لا يزال معمولا به؟ أنا لا أرى من سبب يدعونا لتأييد هذا الادعاء. ربما لو كان التشريع المذكور لا يزال معمولاً به، لكانت الأزمة المالية أقل حجماً وضرراً.
رابعاً، كانت خطط الإنقاذ المالية هي الخيار الوحيد: كانت هناك كثير من الخيارات الأخرى المتاحة، ولكنها كانت أكثر إيلاماً وتستلزم الكثير من بعد النظر. وكنت أعتقد في تلك الآونة (ولا أزال) أن أفضل طرق حل الأزمة كان إعلانات الإفلاس سابقة الإعداد لكل المؤسسات المعسرة بدلاً من خطط الإنقاذ المالي. وكنت سوف أوفر للحكومة الفيدرالية تمويلات المدين الحائز للدين، والسماح للمستثمرين المؤسسيين المؤهلين بطرح العطاءات على الأصول، وبالتالي السماح للأسواق بتحديد القيم، مع اضطلاع الحكومة بما تبقى من مسؤوليات. كانت الأمور ستكون أكثر صعوبة على المدى القصير، ولكن كان الاقتصاد سوف يتعافى ثم ينتعش خلال فترة زمنية أقل بكثير.
خامساً، تم السداد لدافعي الضرائب بالكامل وجنوا الأرباح كذلك: هناك مسألتان رئيسيتان تتعلقان بهذا الادعاء: الأولى أن برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة، وأغلب القروض وخطط الإنقاذ المالي الأخرى، كانت كلها (أو جميعها تقريباً) قد سُددت بالكامل. ولكن لضمان حدوث ذلك، سمحت الحكومة الفيدرالية، في خطوة أثارت تساؤلات دافعي الضرائب، لمؤسسة التأمين الكبيرة (أميركان إنترناشيونال غروب - إيه آي جي) بالاستمرار وتحقيق صافي خسائر التشغيل لاستخدامها في تعويض الأرباح المستقبلية، وكانت هذه عبارة عن خطة إنقاذ مالي خفية تُدار من وراء الكواليس وتقدر بعشرات بلايين الدولارات التي لم تبدُ أن «تُكلف» أي شيء على الإطلاق. وفي الأثناء ذاتها، حافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة عند حدها الصفري قرابة عشر سنوات كاملة. مما أسفر عن نقل هائل من المدخرين إلى المقرضين الذين تم إنقاذهم.
كما جازفت الحكومة الفيدرالية بقدر هائل من المخاطر خلال الفترة التي تضاعفت فيها الأسواق المالية ثلاث مرات. وحدث هذا قبل أن نحسب حساب كل الخسائر الجانبية والمخاطر الأخلاقية التي خلقناها.
سادساً، لم يذهب أحد إلى السجن بسبب أن الغباء ليس جريمة: وهذا مثير للسخرية من واقع تصرفات المسؤولين في بنك ليمان براذرز إلى عمليات الاحتيال التي سُجلت كافة. وأوضح جيسي آيسينغر، مؤلف كتاب (نادي الهراء: لماذا فشلت وزارة العدل في مقاضاة المديرين التنفيذيين)، كيف أن هيئة الدفاع عن كبار المسؤولين التنفيذيين قد نجحت في حشد الآراء وممارسة الضغوط على وزارة العدل الأميركية خلال السنوات السابقة على وقوع الأزمة المالية.
سابعاً، كان المقترضون مستحقين للوم مثل المقرضين: أولاً، نعلم أنه بالنسبة إلى قطاع كبير من الصناعة المصرفية أن أساس الإقراض قد ناله التغيير خلال الفترة السابقة على وقوع الأزمة المالية. وبالنسبة إلى معظم مراحل التاريخ المالي، كان الائتمان يمنح على أساس مقدرة المقترض على السداد. وفي السنوات السابقة على الأزمة، تحول حافز الإقراض تماماً:
ثامناً، تسبب الفقراء في وقوع الأزمة: وهذا من المزاعم غير الشريفة فكرياً. فإن كان أي تشريع أميركي - مثل قانون إعادة الاستثمار المجتمعي - هو السبب الفعلي في اندلاع الأزمة، لما كان الازدهار والانهيار على المستوى العالمي المعروف. ثانياً، إن كان الفقراء وهذه السياسات هم السبب الحقيقي، لكانت الأزمة قد تمركزت في جنوب فيلادلفيا، أو هارلم في نيويورك، أو أوكلاند في كاليفورنيا، أو أتلانتا بدلاً من الضواحي المزدهرة في لاس فيغاس، وجنوب كاليفورنيا، وفلوريدا، وأريزونا. ويبدو أن أصحاب هذه المزاعم الواهية لديهم دوافع كثيرة مشكوك في صحتها.
تاسعاً، ارتكب بنك الاحتياطي الفيدرالي خطأً بالتدخل عندما رفض الكونغرس التدخل: الكونغرس هو الكيان الحكومي الذي كان يجب أن يفعل الكثير رداً على الأزمة المالية، غير أنه لم يفعل، وكل أعضائه الذين عارضوا جهود إصلاح الاقتصاد والنظام المالي الأميركي كان ينبغي حرمانهم من مناصبهم. ولقد وفر الاحتياطي الفيدرالي الغطاء المناسب للكونغرس في ذلك، الأمر الذي أسفر عن أزمة أخلاقية خطيرة لدى الكونغرس سمحت له بالتنصل التام من مسؤولياته.
أخيراً، كان يمكن إنقاذ بنك ليمان براذرز: ربما أن هذا هو أكثر المزاعم وهماً حتى الآن. كان بنك ليمان براذرز مفلساً وفي حالة إعسار. ونحن نعرف ذلك من واقع «خفة اليد» المحاسبية التي حملت اسم «ريبو 105»، والتي بيع فيها 50 مليار دولار من حيازات البنك إلى إحدى الجهات المملوكة للبنك، وحجزت الأرباح حتى قبل إصدار تقرير الأرباح الفصلية، ثم أعيد شراء الحيازات مرة أخرى. وأجريت التحريات حول ذلك بواسطة ديفيد آينهورن مدير صندوق التحوط والذي توصل إلى الاستنتاجات نفسها بشأن إعسار البنك قبل فترة طويلة من الانهيار الحقيقي، وأوضح بنك الاحتياطي الفيدرالي نفسه أنه لا يمكنه تحمل خسائر البنك.
عندما يرفض الناس بعناد الإقرار بالحقائق، وعندما يصرون على التشبث بنظام معتقداتهم الواهم، يصبح من العسير للغاية الرد عليهم بالسياسات السليمة. وكلما سارعنا، كمجتمع، بإعلان الحقائق، أسرعنا في تفادي الكوارث من شاكلة الأزمة المالية.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»