فردناندو غوغليانو
TT

«المركزي الإنجليزي» والخيار النووي

أود أن أقول لأي مؤيد متحمس للبنك المركزي ولخططه المستقبلية إن رئيس البنك، مارك كورني، كثيرا ما يغير رأيه بين الفينة والأخرى. وبعد رحيله عن منصبه في البنك المركزي وخلال الفترة التي ستتولى فيها اللجنة المالية للبنك عملية الإدارة، سيكون الإجراء القادم هو رفع سعر الفائدة المصرفية، وهناك كثير من الأمثلة على ذلك.
لكن على غير المعتاد، كان كورني ثابتا على مبدأ واحد عندما قال: عند المساعدة في الإنقاذ الاقتصادي، لا تعتمد على أن يقوم البنك بتقليص سعر الفائدة في حال عمت الفوضى بعد الخروج من منظومة الاتحاد الأوروبي «بريكسيت».
فقد قال محافظ البنك المركزي في أكثر من مناسبة إنه في حال خرجت بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبي من دون إبرام صفقة، فلن يكون رد فعل البنك واضحا. وبحسب كلمته أمام أعضاء البرلمان الثلاثاء، قال المحافظ إنه من السهل تخيل سيناريو تكون فيه السياسة أكثر حسما، وليس تساهلا.
قد يفاجأ البعض بالسؤال التالي ألم يقلص المحافظ سعر الفائدة واشترى مزيدا من السندات الحكومية بعدما صوت البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو (حزيران) 2016؟ لماذا إذن يتصرف المحافظ بطريقة مختلفة بعد ما خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون إبرام صفقة؟
الفارق هو أن نتائج الخروج غير المنظم سيكون أسوأ على الاقتصاد من نتائج الاستفتاء نفسه. فقد ترك التصويت للـ«بريكسيت» الباب مفتوحا للخروج «الناعم» حيث يمكن لبريطانيا إبرام صفقات سهلة نسبيا مع أكبر شركائها التجاريين. لكن في حال خرجت بريطانيا من المنظومة وعادت مجددا إلى قواعد «منظمة التجارة العالمية»، سيكون الأمر أشبه بالكابوس على شركات المستثمرين.
لم يتعاف الجنيه الإسترليني من فوضى ما بعد الاستفتاء بعد، لكن ما من صفقة يمكنها أن تدفعه إلى الأسفل أكثر مما هو عليه الحال. فصفوف الشاحنات المحتملة بمدينة «دوفر»، والصعوبات التي ستواجهها المؤسسات المالية في دخول أسواق الاتحاد الأوروبي، وتشديد الحدود مع آيرلندا، جميعها يمكن أن تكون أسبابا لحدوث أزمة في العملة لا تختلف كثيرا عما حدث في الأسواق الناشئة مثل أزمة الأرجنتين.
لم يتعاف الجنيه الإسترليني منذ تصويت «بريكسيت»، وسوف تكون الأوضاع أسوأ في حال جرت «بريكسيت» من دون إبرام صفقة. ماذا سيفعل البنك المركزي البريطاني في مثل هذه الظروف؟ حتما سيكون كتاب تعليمات مرحلة ما بعد الاستفتاء الخيار الخطأ. ففي عام 2016 توقع البنك أن يسقط الجنيه الإسترليني، لكنه توقع استقراره سريعا نسبيا، ما يرفع من سعر البضائع المستوردة، وهو أمر منطقي، لكن أي تأثير لذلك على التضخم لن يدون طويلا. ولذلك فإن خطر التضخم يعد ضئيلا، وبإمكان البنك تجاهل الابتعاد عن نسبة التضخم المستهدفة والبالغة 2 في المائة ومن ثم التركيز على تعزيز الاقتصاد.
لكن في حال اشتداد أزمة العملة، فإن كتب الاقتصاد تقول إنه على البنك المركزي التعامل مع ذلك قبل أي شيء. هذا بالضبط ما حاولت الأرجنتين فعله برفعها لسعر الفائدة إلى 60 في المائة، وهو ما تتباطأ تركيا بدرجة كبيرة في تنفيذه. ولذلك على البنك المركزي البريطاني إعطاء أولوية للمحافظة على نسبة التضخم أكثر من دعم عملة التعافي الاقتصادي. وعليها رفع سعر الفائدة حتى إن كان الثمن زيادة حدة الركود المالي.
وإن وجد بعض الدعم، فسيكون أمام البنك بعض الأسباب لرفع سعر الفائدة. فمن شأن إتمام «بريكسيت» من دون صفقة في المقابل أن يجعل المملكة المتحدة أقل إنتاجية طالما أنها ستزيد من قيود العرض على الشركات. وبحسب كلمة أندرو هالدين، الخبير الاقتصادي بالبنك المركزي البريطاني، أمام أعضاء البرلمان: «إن كانت بعض أوجه العرض يمكن التعامل معها، فإن تراجع الطلب لن يرفع بالضرورة الفجوة ولن يكون هناك بالتالي مزيد من الضغوط على التضخم».
بكل تأكيد، بريطانيا ليست الأرجنتين ولا تركيا؛ لأن مؤسساتها واقتصادها أكثر قوة، وهو ما يعزز من الثقة في قوة عملتها. ولذلك فإنه من الممكن أن يظل التضخم تحت السيطرة في المستقبل، ما يتيح للبنك إعطاء أولوية للتعافي الاقتصادي.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»