محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

القياديون وتهمة «الانشغال بالصغائر»

ما المشكلة إذا أخطأ الرئيس الأميركي في رسم علم بلاده ذي الخمسين نجمة أو يزيد؟ لماذا ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بين متندر وشامت لأن دونالد ترمب أخفق في رسم العلم الأميركي خلال زيارة عابرة لمستشفى أطفال في ولاية أوهايو عندما بادر في مشاركة الأطفال فقرة للرسم والتلوين.
فذلك الخط الأزرق الذي أضافه ترمب بدلاً من الخطين الأبيض والأحمر، هي رمزية جديدة تذكرنا بمفهوم راسخ في القيادة وعالم الإدارة عموماً، وهو أن مهمة القيادي تكمن في عدم الانشغال بالصغائر على حساب الصورة الكلية (الأولويات) التي تتطلب عيناً تتابع المشهد واتخاذ ما يلزم من قرارات عن طريق آخرين مناط بهم الاهتمام بالتفاصيل. هذا هو القائد. فمن غير المعقول بل من الإجحاف أن نتندر أيضاً على جورج بوش (الابن) الذي أخفق في الإجابة عن سؤال في اختبار مفاجئ pop quiz عندما لم يتمكن من تسمية زعماء الهند وباكستان والشيشان ونجح في معرفة الاسم الأول لزعيم تايوان. العجيب أن البعض قال إن ثقافة الرئيس لا تؤهله لقيادة البلاد، وقد عايشت تلك الحملة الضارية ضده غير أن الرئيس نجح على ما يبدو في إقناع الناخبين بأهليته لترؤس بلاده لدورتين متتاليتين، لمدة 8 سنوات، ولم يعيبه عدم معرفة أسماء بعض الشخصيات السياسية.
لاي همني هنا تقييم الأداء السياسي، بل مفهوم «المايكرو مانجر» أو المدير المولع بالتفاصيل الدقيقة (الصغائر) الذي يحاول أن يسقطه البعض عمداً على القياديين لنحط من قدرهم. فقد سمعت بأذني في اجتماع مهم لتعيين شخصية قيادة مهمة كيف استخف أحد أعضاء لجنة التعيين بقيادي مرموق حينما سأله سؤالاً تفصيلياً لم تسعف ذاكرة المرشح الإجابة عنه، فقال العضو بسطحية: إذا كان لا يعرف هذه الأمور التفصيلية كيف له أن يعرف الأمور الكبيرة في مؤسستنا! لا أعلم كيف يحكم هذا الرجل وغيره على أهلية مسؤول رفيع من عدم معرفته جزئيات تفصيلية. فالقيادي الذي لا يعرف تفاصيل معينة لا يعني بالضرورة أنه لا يتمتع بالمقدرة على اتخاذ القرار، أو ليس لديه رؤية ثاقبة، أو أنه لا يصلح لقيادة مؤسسة عملاقة. فمن أبجديات العمل القيادي أنه بعيد بطبيعته عن التفاصيل لأن الأمور التفصيلية الصغيرة يقدمها المديرون ومرؤوسوهم على طبق من ذهب للقيادي.
ولو أن كل قيادي زاحم المديرين في إعداد المعلومات ودقائق التقارير لم يتبق له وقت لقيادة دفة السفينة. تخيل قبطان الطائرة يترك قمرة القيادة ويمضي نحو مقصورة الركاب كلما حان موعد وجباتهم!
وبصورة عامة، يحق للقيادي الدخول في التفاصيل وقتما شاء. لكن جرى العرف أن يتدخل القيادي في التفاصيل في أمر مصيري أو بعد أن يخفق أحد المديرين في كسب ثقته. فالقيادي الحكيم يدرك أن الخطأ دليل على أن المرء يجتهد لكن تكرار الخطأ لا سيما الجسيم قد يخفي وراءه صورة من صور التسيب أو اللامبالاة وكلتاهما قد تورطان المنظمة والعاملين فيها.
المبدأ الإداري يقول إنه كلما ارتفع مستوى المسؤول قل بطبيعة الحال اهتمامه بالتفاصيل لأن مهمته التركيز على الصورة الكلية وإلا اختلط الحابل بالنابل في ميدان العمل. غير أن هذه الثقة يجب أن يدركها المديرون ومرؤوسوهم وإلا دفعوا ثمن ذلك غالياً.